مصيدة القروض: آلاف المغاربة يعجزون عن سداد المستحقات

01 فبراير 2016
وجه تنموي للقروض وآخر كارثي (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -
عددهم 50 ألفاً أو أكثر وغالبيتهم من النساء، منتشرون في كل مدن المملكة المغربية وقراها، وما يوحدهم هو أنهم ضحايا حساباتهم الخاطئة التي حولتهم إلى مطلوبين للعدالة بتهمة التعسر عن دفع قروضهم. نساء ورجال لجأوا إلى جمعيات تمنح قروضاً صغيرة لعلها تكون مُعيناً في مواجهة صعوبات العيش، وقعوا عقوداً، وتصرفوا بالأموال، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفنهم، فصاروا أمام المحاكم، ومنهم من اضطر للرحيل بعيداً عن قريته حتى يتخلص من موظفين لا يتعبون من طرق بابه، كل يوم، لاسترداد قيمة القروض.
فاطمة، سيدة خمسينية من مدينة ورزازات، (جنوب شرق) واحدة من هؤلاء، تحكي لـ "العربي الجديد" قصتها: "اقترضت 40 ألف درهم (حوالي 4 آلاف دولار) من إحدى الجمعيات أنا ومجموعة من النساء في المدينة، على أساس أن أطلق أنا وزوجي مشروعاً تجارياً لبيع مواد التنظيف. لكن، مع توالي الأشهر، صرت مضطرة لتسديد الأقساط من رأس المال الأصلي، بسبب ارتفاع قيمتها، وكان القسط محدداً بـ 1100 درهم شهرياً على مدى 5 سنوات، وهذا ما تسبب في كساد تجارتي".

فاطمة، التي اكتشفت أنها ملزمة بتأدية مبالغ إضافية تصل إلى 22 ألف درهم كفوائد، ما يمثل أكثر من نصف القرض الذي تسلمته، تضيف: "بسبب القرض اضطررنا لبيع منزلنا في البادية، لكن المبلغ لم يكف لتسديد الأقساط ولا لدفع إيجار المحل التجاري، وقد رفعت المؤسسة المقرضة الملف أمام المحكمة وتوالت زيارات مسؤولين من الجمعية منزلي لاستخلاص ما بذمتي". تقول: "في قريتي هناك العشرات من الحالات المشابهة، وبعض الذين تعسروا في الدفع اضطروا لهجرة منازلهم إلى مدن بعيدة. وللأسف اكتشفنا متأخرين أن العقود التي وقعنا عليها كانت تحتوي شروطاً غير قانونية، والغريب أن الموظفين المكلفين تسيير الجمعية كانوا يستعجلون توقيعنا والمصادقة على الوثائق، دون أن يطلبوا ضمانات، مستغلين حقيقة أن المستفيدات نساء أميات في معظمهن".
في مجمل الحالات التي أحصتها لجنة الدفاع عن ضحايا القروض الصغرى، التي تشكلت سنة 2011، كانت العبارة التي تتكرر على لسان الضحايا هي وجود تلاعب في العقود الموقعة، ومخالفتها نصوص القانون المنظم لعمل الجمعيات. وهو القانون رقم 97/18 الذي يشير إلى أنه "تعتبر جمعية للسلفات الصغرى، كل جمعية يكون غرضها توزيع سلفات صغرى يراد بها مساعدة أشخاص ضعفاء من الناحية الاقتصادية على إنشاء أو تطوير نشاط إنتاجي أو خدماتي خاص بهم قصد اندماجهم الاقتصادي".
يقول بناصر إسماعيلي، المنسق الوطني للجنة الدفاع لـ "العربي الجديد": "جمعيات القروض الصغرى، ليست شركات، وتنظم من خلال القانون 97/18، الذي يحدد المؤسسات التي يخول لها ممارسة هذا النشاط، على أساس أن يكون نشاطاً اجتماعياً موجهاً لمحاربة الفقر والهشاشة، وهو قانون يحدد طبيعة القرض والفئات التي تستفيد منه." ويتابع: "تم فتح المجال أمام هذه الجمعيات في إطار البرنامج الوطني لمحاربة الفقر والهشاشة، ويشترط ألا تكون المؤسسات العاملة في هذا المجال مؤسسات ربحية. لكن ما حدث لاحقاً أن هذه الجمعيات تحولت إلى ما يشبه شركات القروض وصارت تمنح المواطنين قروضاً بفوائد مرتفعة تتراوح بين 17 و40 في المائة من قيمة القرض". ويضيف: "كان الإفلاس مصير أغلب الحاصلين على قروض لأنهم يصيرون رهائن أقساط مرتفعة لا تتوافق مع المداخيل التي تدرها مشاريعهم".

إحصائيات لجنة الضحايا، وهي تقريبية، تشير إلى وجود 50 ألف ضحية، 95 في المائة منهم النساء، وتتراوح مبالغ القروض الممنوحة بين 5 آلاف و20 ألف درهم (بين 500 وألفي دولار)، وقد تصل المبالغ إلى 50 ألف درهم (5 آلاف دولار) على أساس أنها تمنح للراغبين في اقتناء سكن.
البحث في النصوص القانونية ومسؤولية المؤسسات في ضمان نزاهة العقود التي يوقع عليها المستفيدون، كانت أسئلة أخرى، حاولت "العربي الجديد" الحصول على إجابات بشأنها من أكثر من مسؤول لدى هذه الجمعيات، لكنها اصطدمت برفض الخوض في القضية بمبررات متعددة. "هذا ما حصل معنا أيضاً"، يقول بناصر، "وطيلة السنوات الأخيرة راسلنا العديد من الجهات ودون فائدة، الكل يتهرب من فتح هذا الملف".
يرى خبير التمويلات، عمر الكتاني، "أن تجربة القروض الصغرى نجحت وفشلت في آن واحد. نجحت لأنها طاولت أكثر من مليوني شخص استفادوا من مبالغ مكنتهم من إنجاز مشاريع، لكنها بالمقابل فشلت لأن فوائدها كانت عالية جداً، تصل نسبتها إلى 30%، مما أثر سلباً على عدد من الأشخاص الذين عجزوا عن الوفاء بالأقساط المتفق عليها". ويتابع: "في الحقيقة كانت المؤسسات واعية بهذه المسألة منذ البداية، وكان مبررها أنها تقرض الزبائن مبالغ ضئيلة ولا يضير أن يؤدوا ثلث المبلغ كفوائد". ويعتبر الكتاني أن "هذا تفكير مبني على طريقة تبني القروض الصغرى، لأنها حينما تمنح لأشخاص فرادى تصعب متابعتهم، وتحصيل الأقساط منهم تصير مسألة مكلفة، والآن الطريقة الحديثة التي تدبر بها هذه التمويلات تركز على منح تمويلات مجموعات من المستفيدين المشتركين في مشروع واحد، توقع معهم عقوداً مشتركة وتشرف لجان على تتبع مشاريعهم. ولهذا فالهيكلة القديمة للقروض صارت متجاوزة وتخلق الكثير من الضحايا ولم تعد مسايرة للأوضاع الحالية ولا تمكن من الوصول إلى آلاف الأشخاص المعنيين".
الكتاني يشدد، أيضاً، على "أن القانون الحالي المنظم لعمل الجمعيات صار قديماً". ويسأل: "ما الذي يمنع من توسيع الجهات المانحة لهذا النوع من التمويلات، وهنا يمكن أن نأخذ تجربة السودان كنموذج، حيث تلزم المصارف بتخصيص نسبة 12% من الودائع لهذا الصنف من التمويلات، حيث تساهم المصارف مع المقترضين في مشاريع ويتم تقاسم الأرباح وهذا مفيد للطرفين. ولهذا على الدولة أن تتخلى عن مفهوم القروض غير الربحية".
وكانت دراسة شملت ست دول من بينها المغرب قد بحثت آثار برنامج القروض الصغرى على تحسين حياة الفقراء، وهو بحث أشرفت عليه المنظمة الأميركية المستقلة "تحرك ضد الفقر" ومعهد ماساسوسيتش للتكنولوجيا، وأكدت "أن برنامج القروض الصغرى الذي استهدف النساء بالخصوص لم ينجح في جعل الفقراء أكثر استقراراً ولم يمنحهم مدخولاً مادياً مستقراً".

اقرأ أيضاً: الهرم المؤسساتي لـ"داعش" يتخلخل مالياً
المساهمون