رغم ترويج الإمارات والبحرين، أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يحمل آفاقاً اقتصادية إيجابية، إلا أن تجربتي مصر والأردن اللتين تعدان أول من طبع عربياً مع دولة الاحتلال تظهر عكس ذلك، حيث تعرضتا، وفق خبراء اقتصاد وبرلمانيين، للابتزاز والخسائر من خلال صفقات الغاز والتصدير عبر ما يُعرف باتفاقية "الكويز".
ورغم توقيع مصر اتفاق سلام مع إسرائيل عام 1979، وإبرام الأردن اتفاقاً مماثلا عام 1994، إلا أن الخوض في صفقات اقتصادية علنية مع دولة الاحتلال تأخر لسنوات طويلة، على عكس هرولة أبوظبي والمنامة نحو إيجاد شراكات في مختلف المجالات قبيل اتفاق التطبيع.
وأبرمت مصر اتفاق تصدير الغاز لإسرائيل في 2005، لتمد بمقتضاه شركة الكهرباء الإسرائيلية بنحو 1.7 مليار متر مكعب سنوياً لمدة 20 عاماً، بسعر بخس تراوح بين 70 سنتاً و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما وصل سعر الكلفة آنذاك إلى 2.65 دولار. لكن سرعان ما تبدّل المشهد وتحولت مصر إلى بلد مستورد من دولة الاحتلال بسعر مبالغ فيه وصل، وفق تقرير لهيئة الإذاعة الإسرائيلية في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى ما يتراوح بين 5 دولارات و5.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.
وقال مسؤول في قطاع الطاقة المصري لـ"العربي الجديد" إن "إسرائيل استغلت توقف مصر عن تصدير الغاز إليها، لابتزازها من خلال دعوى تحكيم دولي قضت في فبراير/شباط 2018 بتغريم القاهرة أكثر من مليار دولار"، مضيفا أن مصر أبرمت من خلال القطاع الخاص اتفاقا لاستيراد الغاز من إسرائيل لمدة 15 عاما، في صفقة تصل قيمتها إلى 20 مليار دولار.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2004، وقّعت مصر والولايات المتحدة وإسرائيل اتفاقا باسم "الكويز" يسمح بدخول منتجات مصرية "ذات مكون إسرائيلي" إلى الأسواق الأميركية من دون جمارك.
تعتبر اتفاقية الغاز أكبر مشروع تطبيعي بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي، رغم المعارضة الشديدة التي أبداها الشارع الأردني.
ونص الاتفاق على ألا تكون نسبة المكونات المصنعة في مصر أقل من 35% وأن تحتوي على 11.7% من المكونات الإسرائيلية، بينما كانت إسرائيل قد طلبت أن تصل نسبة مكوناتها إلى 17%، وهو ما أعادت المطالبة به في سنوات لاحقة.
ولا يبدو المشهد مختلفاً كثيراً مع الأردن، حيت اتفقت عمان عام 2016 على استيراد الغاز من دولة الاحتلال لمدة 15 عاما بقيمة تصل إلى 15 مليار دولار.
وتعتبر اتفاقية الغاز أكبر مشروع تطبيعي أصبح قائماً بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي، رغم المعارضة الشديدة التي أبداها الشارع الأردني ورفض مجلس النواب لها والتصويت بإجماع أعضائه لرفض الاتفاقية مرتين. وبموجب الاتفاقية، فقد بدأ ضخ الغاز المستخرج من السواحل الفلسطينية المحتلة، للأردن منذ بداية العام الحالي 2020.
وقال عضو لجنة الطاقة في مجلس النواب الأردني، موسى هنطش، إن الحكومة أصرت وللأسف على تنفيذ الاتفاقية رغم المعارضة الشديدة لها، مبررة ذلك بالحاجة الماسة إلى الغاز لتعزيز أمن التزود بالطاقة.
وأضاف هنطش لـ"العربي الجديد" أن كافة القوى الوطنية والشعبية ستواصل الضغط على الحكومة لإلغاء الاتفاقية، لا سيما وأن هنالك مصادر متعددة لاستيراد الغاز الطبيعي.
وقال الرئيس السابق للجنة مقاومة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، مناف مجلي، لـ"العربي الجديد"، إن قوى ومؤسسات المجتمع المدني نجحت في مواجهة عمليات التطبيع مع الكيان المحتل، من خلال تنظيم عدد كبير من الحملات الداعية إلى ذلك في مختلف المحافظات، ودعوة المواطنين إلى عدم شراء المنتجات القادمة من هناك، خاصة الزراعية منها، لأن ذلك يعد عملاً تطبيعياً تسعى إليه دولة الاحتلال بكل قواها.
وأضاف: "لم نعد نشهد اليوم منتجات زراعية من الكيان المحتل في الأسواق الأردنية، إضافة إلى وجود تعاملات تجارية لا تذكر"، مشيرا إلى أن لجنة مقاومة التطبيع لديها قوائم سوداء بالمطبعين مع الاحتلال.
وبحسب بيانات رسمية، فقد بلغت واردات الأردن من الكيان الإسرائيلي عام 2019 حوالي 12.5 مليون دولار، وصادراته إليه 65 مليون دولار تقريباً.
في سياق متصل، لم يكتب لمشروع ربط البحر الميت بالبحر الأحمر، والذي يشارك فيه الأردن والسلطة الفلسطينية والكيان المحتل، النجاح، وتحول الجانب الأردني لإقامة مشروع لتحلية مياه البحر الأحمر لسد النقص في مياه الشرب.
وناقل البحرين هو مشروع مطروح منذ سنوات طويلة، وتقوم فكرته على أساس نقل مياه البحر الأحمر من خليج العقبة جنوب الأردن إلى البحر الميت الواقع بين الأردن وفلسطين ويسيطر الاحتلال على الجزء الفلسطيني منه.
ووفق الخبير الاقتصادي حسام عايش، فإن العلاقات التطبيعية بين الأردن والكيان الإسرائيلي فاترة جداً وتقتصر على مشروع اتفاقية الغاز الذي يطالب الأردنيون بإسقاطها، مضيفا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن إسرائيل تسعى من وراء اتفاقيات التطبيع إلى تعزيز مصالحها في المنطقة والعالم والانفتاح على الأسواق العربية، باعتبار أنها تعيش في حالة شبه عزلة.