بتطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين مع دولة الاحتلال رسمياً، اليوم الثلاثاء، بالعاصمة الأميركية واشنطن تكون المنطقة قد دخلت مرحلة تطبيع اقتصادي غير مسبوقة.
مرحلة باتت فيها إسرائيل تكسب اقتصادياً ومالياً وتجارياً واستثمارياً وسياحياً ونفطياً وتغترف من ثروات دول الخليج ودول عربية أخرى منها مصر والأردن وعلى طول الخط، وقبلها تكسب سياسياً، وبالتالي بات لدى دولة الاحتلال قدرة مالية أكبر على تلبية احتياجات مواطنيها من مأكل ومشرب وغذاء ومسكن، بل ورفاهية، وحل الأزمات العنيفة التي يعاني منها الاقتصاد.
ومع هذه المكاسب من التطبيع بات لدى حكومة الاحتلال قدرة على تلبية احتياجات الشركات الإسرائيلية الساعية إلى الاندماج في اقتصاديات دول المنطقة، والباحثة عن فرص استثمار وصفقات ضخمة بمليارات الدولارات في الدول الخليجية بعد التطبيع، والباحثة أيضاً عن موطئ قدم لها في الأسواق العربية المتعطشة لكل أنواع السلع والخدمات والتي قاطعتها منذ تأسيس دولة الاحتلال في العام 1948.
وفي المقابل بات على العرب، في ظل التطبيع، دفع مليارات الدولارات لإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني حاليا من حالة ركود شديدة بسبب تفشي وباء كورونا وتراجع الإيرادات العامة والفساد وهروب السياح، وكذلك تغطية عجز خزانة دولة الاحتلال الخاوية، وتمويل صفقات السلاح لصالح جيش الاحتلال، وإقامة عقارات ومبان ومدارس وجامعات ومصانع وطرق وشبكات كهرباء ومياه وصرف صحي وبنية تحتية لليهود المتطرفين في المستوطنات، وكذا تمويل مشروعات استثمارية أخرى تقام على هضبة الجولان المحتلة.
وباتت المقاطعة العربية لإسرائيل التي اتسعت رقعتها عالميا في السنوات الأخيرة في مهب الريح في ظل سباق خليجي وعربي محموم على التطبيع السياسي والاقتصادي مع دولة احتلال ما زالت تغتصب الأراضي العربية في فلسطين وسورية ولبنان وأم الرشراش في مصر.
وفي ظل حالة التطبيع غير المسبوقة تلك مع كيان مغتصب بات المطلوب من المواطن العربي أن يعمل ويكد ويدفع المزيد من الضرائب والرسوم، ويتحمل التضخم وغلاء الأسعار ويوفر من قوت أولاده كل ذلك لكي يشبع المواطن الإسرائيلي ويعيش في رفاهية ورغد من العيش، ويحصل على خدماته الصحية والتعليمية كاملة من دون نقصان، وكل ذلك يحدث بأموال وثروات العرب.
حتى فاتورة الفساد المالي لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو وأسرته، بات المطلوب من حكام دول المنطقة الآن سدادها من قوت المواطن العربي الغلبان ودخله المحدود وجيبه المخروم أصلا، وعبر زيادة تلك الحكومات أسعار السلع والخدمات مثل المياه والكهرباء والبنزين والسولار وغاز الطهي ورسوم الخدمات الحكومية وحتى رغيف الخبز.
كل المؤشرات الحالية تؤكد أن الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني من مشاكل حادة وزيادة في النفقات العامة وعجز في الموازنة العامة هو المستفيد الأول من سباق التطبيع الخليجي الأخير.
مصر
فيوم الأحد الماضي قال نتنياهو، إنّ اتفاقيتي السلام (التي سيوقعهما في واشنطن اليوم الثلاثاء)، مع كل من الإمارات والبحرين، ستضخان مليارات الدولارات في شرايين اقتصاد إسرائيل، وبالتالي رفاهية المواطن الإسرائيلي.
هذا التصريح لا يختلف كثيرا عن التصريح الشهير الذي أطلقه نتنياهو يوم 19 فبراير 2018 عقب إبرام اتفاق بين مصر وإسرائيل على صفقة غاز ضخمة والذي قال فيه إن الاتفاق التاريخي على تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، سيدرّ مليارات الدولارات على خزينة الدولة لإنفاقها على التعليم والصحة، ويحقق الربح والرفاه لمواطني إسرائيل.
ولمَ لا، فصفقة استيراد مصر الغاز الطبيعي، رغم امتلاكها فائضاً ضخماً منه، كبيرة جدا حيث تبلغ قيمتها نحو 20 مليار دولار ولمدة 10 سنوات، وهو ما يضمن تدفق ملياري دولار من الخزانة المصرية وجيوب المصريين سنويا إلى خزانة دولة الاحتلال، كما يعني جمع ما يعادل 36 مليار جنيه، من دافعي الضرائب والموظفين في مصر سنويا لسداد صفقة استيراد غاز توجه حصيلتها لدعم جيب المواطن الإسرائيلي وتمويل مشروعاته وصفقات سلاحه وصواريخه الموجهة لأهالينا في غزة ودمشق وغيرها من العواصم العربية.
يحدث هذا النزيف لثروات مصر ومواطنيها لصالح الخزانة الإسرائيلية رغم حالة التقشف الشديدة التي تعيشها الأسرة المصرية ومعاناتها من زيادة قياسية في أسعار السلع والخدمات، وخفض قياسي للدعم الحكومي المقدم لسلع رئيسية مثل الوقود والغاز، وتراجع في معدلات الدخول مع إصابة قطاعات وأنشطة رئيسية مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة بالشلل بسبب تفشي وباء كورونا.
الأردن
يتكرر المشهد في الأردن حيث يتم جمع 10 مليارات دولار من أموال دافعي الضرائب لصالح الخزانة الإسرائيلية واقتصاد الاحتلال، فالمملكة تجمع هذه المليارات عبر خفض قيمة الدعم لسلع مهمة مثل الوقود والخبز، واجراء زيادات مستمرة في الأسعار بما فيها الأدوية لسداد قيمة صفقة الغاز المستورد من دولة الاحتلال على الرغم من وجود بدائل رخيصة مثل الغاز الجزائري وغيره.
وبالتالي توفر حكومة المملكة وعبر صفقة استيراد الغاز الإسرائيلي الرواتب للعاملين في جيش الاحتلال وجهاز الدولة الإداري، وتساهم كذلك في تمويل مشروعات إقامة مستشفيات ومدارس ودور رعاية صحية على الأراضي العربية المحتلة.
البحرين
وفي البحرين تراهن دولة الاحتلال على الاستفادة القصوى منها وإتاحة الفرصة للشركات والمصارف الإسرائيلية للتوسع في السوق البحريني، والاستفادة من خطة المنامة تحويل البلاد إلى مركز مصرفي عالمي، كما تراهن على زيادة صادرات الشركات الإسرائيلية للبحرين خاصة التقنيات العسكرية.
الإمارات
توقيع اتفاق التطبيع اليوم سيضمن تدفق مليارات الدولارات من أموال الإماراتيين إلى دولة الاحتلال، سواء عبر المساعدات والمنح المجانية والقروض منخفضة العائد كما يحدث مع حلفاء أبوظبي في المنطقة، أو عبر البنوك الإماراتية التي سارعت لإبرام اتفاقات وشراكات مع نظيرتها الإسرائيلية لتمويل مشروعات مشتركة وتقديم خدمات استثمارية وقروض وفتح فروع في تل أبيب.
أو عبر تدفق السياح الإماراتيين الأثرياء إلى دولة الاحتلال، وبالتالي توفير سيولة مستمرة للاقتصاد الإسرائيلي وخزانته تساعده في توفير التمويل اللازم لشراء الأسلحة، وتوفير احتياجات المواطن من سلع رئيسية ووقود وأدوية ومشروعات سكنية وغيرها، وكذا سداد مستحقات الديون الخارجية لدولة الاحتلال.
كما تستفد إسرائيل من الإمارات اقتصاديا عبر توفير موانئ دبي السلع والمواد الخام للسوق الإسرائيلية، وتوظيف الموانئ الإماراتية في تسويق البضائع الإسرائيلية إلى جميع أرجاء العالم بما فيها دول المنطقة، أو عبر استيراد الإمارات صفقات السلاح الإسرائيلية، من تقنيات قتالية ومنظومات دفاع الجوي، وتقنيات الفضاء، والتحصينات والدفاع، والشركات السيبرانية.
أو عبر زيادة حجم التبادل التجاري ليصل إلى عدة مليارات من الدولارات في العام حسب تقديرات دوبي أميتاي، رئيس قطاع الأعمال في إسرائيل، أو 500 مليون دولار، في المرحلة الأولى، حسب تقديرات القيادي الليكودي أوفير أوكينوس وزير التعاون الإقليمي الذي قال إن التقديرات الأولية لحجم المردود الاقتصادي السنوي لفتح السوق الإماراتي فقط أمام شركاتنا يقدر بنصف مليار دولار سنويا.
اتفاقات التطبيع التي يتم إبرامها اليوم في واشنطن تفتح الباب على مصراعيه أمام الشركات الإسرائيلية المتخصصة في إنتاج التقنيات الزراعية لتزويد الإمارات وغيرها من دول المنطقة بالسلع الغذائية المختلفة، خاصة وأن الدولة الخليجية تمتلك قدرات مالية عالية وتخصص مليارات الدولارات لشراء الأغذية سنوياً.
وفي حال انضمام دول خليجية أخرى لقطار التطبيع فإن امكانيات وقدرة الاقتصاد الإسرائيلي ستتعاظم مع تدفق الثورات الخليجية عليها خاصة القادمة من السعودية التي تملك صندوق سيادي تبلغ أمواله المستثمرة نحو 500 مليار دولار، ولديها رؤية 2030 التي يقوم جانب منها على التوسع الاقليمي.
ببساطة، وفي ظل تسارع خطى التطبيع مع دولة الاحتلال، فإن المواطن في إسرائيل سيحصل على احتياجاته المعيشية وحقوقه في السكن والتعليم والصحة والبنية التحتية كاملة دون نقصان وبسعر مناسب لدخله، خاصة مع تدفق مليارات الخليج وثرواته، وإلا أقال حكومته وثار عليها.
أما المواطن العربي فإنه في ظل التطبيع فائق السرعة فإنه سيحصد، كالعادة، المزيد من الفقر والبطالة والعوز والتضخم وزيادة الأسعار والفساد والقهر والذل والأحوال الصعبة، وفي حال اعتراضه أو حتى تذمره من تلك الأوضاع المعيشية الصعبة يتم اعتقاله وسجنه، وربما قتله في الشارع وتحت أعين الجميع.