مصر التي في خاطري

16 يوليو 2014
+ الخط -

تذكّرت زوجة خالي، المصرية الطيبة، وكنت أكن لها حباً عميقاً، بقدر حبها فلسطين وأهلها، وترحيبها بنا كلما زرنا بيتها في حي العتبة الشعبي وسط القاهرة. تذكرتها، حين جاءت ابنتي الجامعية باكية، وهي تطلعني على تعليقات شبان وشابات مصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، بخصوص ما يجري من عدوان إسرائيلي في غزة، وأنا التي زرعت في أولادي حب مصر، واعتبروها وطنهم الثاني، مثلي، حيث أمضيت فيها أجمل أيام حياتي.
ما لفتت ابنتي انتباهي إليه، على صفحات التواصل الاجتماعي، أن شرائح شبابية مصرية، وللأسف، أظهرت شماتة في غزة التي تتعرض لحرب تدميرية دموية عاتية وإجرامية، حصدت أرواح أطفال في عمر الزهور، آمنين، قضوا وهم ينطوون على مشاعر الحب لمصر والمصريين.
ويصح رد حالة أولئك الشبان إلى عاملين، سطحية الثقافة، ومنها عدم المعرفة بالتاريخ، فقضية فلسطين وحريتها، هي قضية الشهداء المصريين، والذين يَقتلون في غزة هم أنفسهم الذين قتلوا أطفالاً مصريين في بحر البقر، وقتلوا عمالاً، ودمروا السويس مثلما يدمرون غزة. العامل الثاني سخافة الإعلام الموبوء وشططه، والذي لا جذر له سوى إعلام تأسس بعد "كامب ديفيد"، المسؤولة عن نزع سيادة مصر عن سيناء، ما أتاح للإرهاب الإسلاموي أن ينمو، وأن يترعرع، ذلك الإعلام ضلل بعض المصريين، وأوهم قطاعات شعبية بسيطة منهم بأن غزة هي التي تستهلك غاز مصر وبترولها، وهي التي قتلت جنوداً مصريين.
شرائح شبابية كثيرة لا تقرأ، وتأخذ من الإعلام عناوين عريضة مفتعلة، غايتها تبرير نفض مصر يدها من قضية العرب المركزية، وهي قضية أمن قومي بامتياز بالنسبة لمصر.
لا ينبغي لهذه الشرائح الشبابية أن تُلام، بقدر ما ينبغي تنبيهها من الوجهة التاريخية، وإن لم يكن يعنيها التاريخ، يكون التنبيه من الوجهة الدينية، مسلمين أو مسيحيين، فلا يمكن لمسلم أو مسيحي، صحيح الإيمان، أن يتهلل فرحاً لرؤية أشلاء الأطفال ورؤوسهم المشروخة التي تفتتت، فضلاً عن المشاعر الإنسانية نفسها، وإن لم يكن هذا كله يمكن أن يثقف الجاهل، فلتكن الوسيلة الإيضاحية الأواصر من القرابة والمصاهرة، بين الفلسطينيين في غزة وأشقائهم المصريين، مع تاريخ طويل من الامتزاج والمشتركات في الحياة والمصير.
الشعب المصري شقيق وعزيز، وهو ذو فطرة سليمة، ذات منحى وطني وقومي وديني، وما هذه الشرائح الشبابية التي تنفث سمومها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، إلا نتاج بعض ما ثابر الإعلام الموبوء عليه، وجعل هؤلاء الشباب لا يعرفون ماذا يريدون من مصر نفسها، فكيف يعرفون ما يريدون من فلسطين، عمقهم العربي، والأرض التي اختلط فيها دم الشهداء الأبرار من الفلسطينيين والمصريين.
عاش المصريون والفلسطينيون سنوات طويلة، وما زالوا إخوة متحابين، كان الفلسطيني في أثنائها يرى في مصر البلد الأقرب والأعز، ولم يحدث بينهم، على مر التاريخ، إلا ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز، أما الظاهرة الإعلامية التي بدأت مع إبرام الصلح مع إسرائيل، فإنها نفسها التي أدخلت مصر في سنواتٍ عجاف، وثار الشعب المصري عليها لتغيير الواقع السياسي في البلاد، لكن ما حدث، للأسف، أن هذه الظاهرة ظلت قائمة، تمارس تضليلها وتسعى إلى إحداث الشرخ والفتنة والكراهية بين الفلسطينيين والمصريين، لكن المواطن والشاب المصري والكهل العارف بالتاريخ، لم يتأثر بسموم هذا الإعلام، فيما ظل الفلسطينيون على محبتهم لمصر الكنانة والمجتمع والثقافة، وحتى الرياضة.
في العام 1981، استقلت زوجة خالي سيارة أجرة، كتب سائقها على زجاجها الخلفي عبارة "تاكسي القاهرة"، وحين قرأت لها هذه العبارة، دمعت عيناها وظلت تغني أغانيها الشعبية والمصرية طول الطريق، لنا وللسائق الذي طار بالسيارة فوق الأسفلت، جزلاً حين خصته بأغنية: سوق على مهلك ....... سوق.
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.