حافظت وزارة الثقافة المصرية، خلال أربعة أعوام، على نفسها كحلية في واجهة النظام، كمكمّل لوجاهته، وكإجراء روتيني يُتخذ لاستكمال الحقائب الوزارية.
صابر عرب، وزير الثقافة السابق، على سبيل المثال، كان يرى أننا شعب غير مستعد للديمقراطية، مردّداً كلمات أي "خبير استراتيجي" يطل علينا يوميًا في التلفزيون الموجّه؛ وجابر عصفور، وزير الثقافة الحالي، استعان بالسيد ياسين، الذي ناهز التسعين، لوضع استراتيجية عقيمة لوزارة تتقاعس عن عملها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فخلفت وراءها الغبار.
وما بين الأول والأخير، وزراء لم يحرّكوا ساكنًا، ربما لقصر مدتهم، وربما لأن النظام السياسي كان مشغولًا بما رآه أكثر أهمية من وجهة نظره: إخماد الثورة.
لم يدرك أي منهم، خاصةً فاروق حسني، أن المستهدف بالثقافة ليس المثقفين ولا النخبة، بل رجل الشارع، والأماكن النائية، والقرى البعيدة، هؤلاء الذين يمثلون، تعداداً، أغلبية الشعب، وهؤلاء أصحاب الأصوات الانتخابية، وهؤلاء الذين حملونا في النهاية للاختيار بين مرشح الجماعة ومرشح العسكر، ثم هؤلاء الذين باركوا مذبحة رابعة وفوضوا لمواجهة الإرهاب، فكانت النتيجة تشييع جنازة الثورة.
تقاعست وزارة الثقافة عن أداء دورها، في الأربعة أعوام الماضية، كما تقاعست وزارة "الوزير الفنان" عن تقديم الواجب لجنوب مصر وشمالها خلال 24 عاماً، أو ربما قدمت ما كانت تريد أن تقدمه: نشر الجهل ونشر التخلف.
كان يمكن العمل فقط من خلال مباني قصور الثقافة، المنشآت التي أعدت من أجل نشر الثقافة في عصر فائت في القرى والنجوع، ليصحب ثورة يناير ثورة أخرى ثقافية تدعم أسس الدولة المدنية وتكشف للمواطنين بالأرقام في أي مستنقع كنا نعيش وما الآمال المرجوة من ثورة جاءت متأخرة على الأقل عشرين عامًا.
كان يمكن، لو أرادت وزارة الثقافة، مواجهة رجال أعمال الإعلام والنظام القديم بزيادة رقعة المؤيدين لمدنية الدولة، وهي المواجهة التي تتم بالوصول بالثقافة إلى كل بيت، وكل مواطن، ومن خلالها يمكن مواجهة التطرف الديني من ناحية والخنوع للنظام القديم من ناحية أخرى، فإن لم تمنح لهم الحياة لا يحق لك أن تسألهم لماذا اختاروا الموت.
أربعة أعوام مرت على ثورة يناير، ولا تزال قصور الثقافة مغبّرة ومعتزلة العمل الثقافي، ولا تزال الفرق المسرحية المستقلة تبحث عن أماكن لعرض أعمالها، ولا يزال الصعيد محروماً من خدمات الوزارة ويعاني من التأخر.
إضافة إلى ذلك، مُنعت فعالية "الفن ميدان"، أبرز التعبيرات الثقافية لثورة يناير، التي كانت تطلق روح الفن في شوارع القاهرة ومحافظات أخرى، ولاحقت السلطة مؤسسات ثقافية بذريعة تلقي تمويل أجنبي، رغم أن السلطة نفسها تتلقى تمويلًا أجنبياً، في برهان جديد على أن يد "الداخلية" هي العليا، ويد "الثقافة"، كما كانت دائماً، هي السفلى.