مرح باكير... أحدث ضحايا سياسة تلفيق التهم للفلسطينيين

15 أكتوبر 2015
الفتاة مرح باكير (العربي الجديد)
+ الخط -
تعكس صورتان انتشرتا على مواقع التواصل الاجتماعي، للفتاة الفلسطينية مرح باكير (16 عاماً) من بيت حنينا في القدس المحتلة، الهوس الإسرائيلي في تلفيق التهم للفلسطينيين مع كل محاولة إعدام ميدانية ينفذها بحقهم، على غرار ما حصل مع باكير التي أصيبت بثلاث رصاصات بعدما ادعى الاحتلال أنّها "مخرّبة"، والتهمة "محاولة طعن"، فيما يبقى الدليل مفقوداً. في الصورة الأولى، ظهرت باكير مرتدية زيّها المدرسيّ ومحاطة بـ9 عناصر من شرطة الاحتلال وحراس الأمن، ويُرى بعضهم شاهراً سلاحه، وفي الثانية كانت مضرّجة بالدماء وملقاة على الأرض، بعد تلفيق التهمة لها.

حدث كل ذلك في ساعات ما بعد الظهيرة من يوم الإثنين الماضي، عندما كانت مرح الطالبة في الثانوية العامة في طريقها إلى المنزل. أنهت دوامها في مدرسة عبد الله بن الحسين وتوجهت إلى محطة الحافلات، حيث تنتظر الحافلة التي تقلها إلى بيت حنينا. في تلك المحطة التي تقع أمام المقر الرئيسي لشرطة الاحتلال، يقف أيضاً المستوطنون في انتظار الحافلات الإسرائيلية.

وفي الوقت الذي بدأت فيه اللحظات العصيبة ترافق العائلة في بحثها عن ابنتها التي تأخرت بالعودة، خرجت بيانات شرطة الاحتلال تدعي أنّ مرح قامت أمام محطة الانتظار تلك، بطعن مستوطن أو شرطي، وأنه تم إطلاق النار عليها. مرح التي أصيبت بثلاث رصاصات في يدها اليسرى، فضلاً عن إصابتها بشظايا في وجهها، تقبع اليوم في المستشفى الإسرائيلي "هداسا عين كارم"، قيد الاعتقال. وأدت الرصاصات الثلاثة إلى تفتت في عظم يد مرح. وتمّ، أمس الأوّل الثلاثاء، تمديد اعتقالها حتى يوم الأحد المقبل.

تلفت المحامية سناء الدويك التي تتابع ملف مرح، إلى أنّ القضية "تلفيق واضح وتحويل للضحايا الذين يتعرضون لاعتداءات المستوطنين والشرطة إلى متّهمين ومجرمين". وتوضح الدويك أن موكّلتها مرح تنفي التهمة الموّجهة إليها، وتقول إنّ الشّرطة هي التي اعتدت عليها. كما أن شرطة الاحتلال، بحسب المحامية، لم تقدّم أيّ دليل على عملية الطعن أثناء جلسة المحكمة، يوم الثلاثاء، وأنه عند سؤالها عن الأدلة، تكتفي بالقول "الملف سريّ والأدلة سرية".

ويبدو التخبط واضحاً في بيانات شرطة الاحتلال بشأن الاعتداء على مرح. ففي حين صدر البيان الأول للشرطة الذي أشار إلى أن المطعون، بحسب زعمها، هو مستوطن، عادت في ما بعد، لتوضّح أنّه رجل شرطة. وسألت الدويك أثناء جلسة المحكمة يوم الثلاثاء عن وجود أي تقرير طبيّ يثبت إصابة هذا الشرطي، إلّا أنّ شرطة الاحتلال لم تقدّم أية تقارير أو إثباتات، واكتفت بالقول، إنّ "إصابة الشرطي طفيفة". كما لم تقدم شرطة الاحتلال أي تسجيلات للكاميرا تظهر وقوع عملية الطعن، لا سيما أنّ المنطقة التي وقعت فيها الحادثة تعتبر منطقة أمنية، لقربها من مقر الشّرطة الرئيسي ومقرات حكومية إسرائيلية أخرى، ما يعني انتشار كاميرات المراقبة فيها.

تقول والدة مرح، سوسن باكير، التي استدعيت للتحقيق لدى شرطة الاحتلال، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ المحقق عرض أمامها دفتراً ادعى أنّه وجده في حقيبة مرح وقد كُتب على إحدى أوراقه "فلسطين حرة، سامحيني يا أمي، ولا تحزني عليّ". تنفي سوسن أن يكون الدفتر لابنتها أو أن يكون المكتوب فيه بخطّها، قائلة "الخطّ غير واضح وغير مرتّب، بينما ابنتي معروفة بخطّها الجميل، كما أنّ هناك كلمات غير عربية وغير واضحة، ما يعني أن من كتبها ليس عربياً"، موضحة أنّ "الدفتر جديد، لا يوجد فيه أي خدش، ولم يكتب فيه أي شيء سوى تلك العبارة، فضلاً عن أنّه ليس من نوع الدفاتر الذي تحبّه ابنتي وتستعمله".

والد مرح، جودي باكير، خضع للتحقيق أيضاً في مقرّ شرطة الاحتلال. وبينما كان ينتظر دوره للتحقيق معه، أرسلت له شرطة الاحتلال إثنين من وحدة "العصافير" (رجال أمن متنكرون يتظاهرون بأنّهم معتقلون فلسطينيون ينتظرون دورهم في التحقيق). وتعمّد هذان الشرطيان مناقشة الأحداث الأخيرة في مدينة القدس، وأشادا بعمليات المقاومة والطعن، في محاولة لاستنطاق والد مرح وسحب أقوال منه، بحسب الوالدة.

اقرأ أيضاً: استشهاد شاب فلسطيني بالقدس بادعاء محاولته تنفيذ عملية طعن

تروي سوسن اللحظات العصيبة التي تعيشها هي وزوجها جودي وابنتاها حلا ونور، وابنها موسى، في انتظار رؤية مرح. تقول سوسن، إنّ "مرح ليست ابنتي فقط، بل صديقتي، ولا أستطيع تحمّل فكرة أنها مصابة ومتألمة، بينما لا يمكنني أن أكون بقربها". يذكر أن شرطة الاحتلال تمنع عائلة مرح من زيارتها في المستشفى حيث تتلقى العلاج، وسمحت للمحامية فقط بزيارتها. 

من جهته، يشير طارق المبيّض، خال مرح، إلى أنّ هناك حالة من توازن الرعب القائم في القدس في الأيام الأخيرة، "فالمستوطنون خائفون من الفلسطينيين، والفلسطينيون مترقبون لأي اعتداءات من المستوطنين، لكن الفرق، أنّ تصرفات المستوطنين محميّة بالقانون، بينما لا يوجد من يحمينا نحن الفلسطينيين".

وتتصاعد في الآونة الأخيرة اعتداءات المستوطنين وشرطة الاحتلال على الفلسطينيين في القدس والأراضي المحتلة عام 1948. وتوقف أفراد شرطة الاحتلال أي شخص بدعوى أنها "اشتبهت به" وتقوم بتفتيشه والتدقيق في هويته. ويحاول الفلسطينيون الحفاظ على أرواحهم في ظلّ هذا الهوس الإسرائيلي، حتى أن والدة مرح تروي كيف أنها أجبرت نفسها على عدم الركض في الشارع في طريقها إلى المستشفى للبحث عن ابنتها حتى لا يشتبه بها أحد المستوطنين أو شرطة الاحتلال.

من جهتها، تشير المحامية الدويك إلى تسجيل اعتداءات عدة من المستوطنين بحقّ الفلسطينيين، وخصوصاً ممن يعملون في سوق العمل الإسرائيلي، وتقوم شرطة الاحتلال بتحويل هذه الاعتداءات إلى اتهامات بتنفيذ عملية طعن.

وتُنبّه قصة مرح وانتفاء أي دليل على تنفيذها عملية طعن، إلى قصص أخرى قد تلفّق فيها شرطة الاحتلال اتهامات للفلسطينيين بالطعن، في محاولة منها لضرب النسيج الفلسطيني والحاضنة الشعبية المؤيدة للمقاومة. وتأتي هذه التلفيقات كجزء من سياسة الترهيب والعقاب التي تمارس ضدّ الفلسطينيين لإجبارهم على قبول الأمر الواقع والتخليّ عن وجودهم العربي ووعيهم الوطني.

وتبيّن الدويك أنّ الشّابين المتهمين بتنفيذ عملية طعن في رعنانا، يوم الثلاثاء، هما الشقيقان طارق وأحمد الدويك يعملان في ورشة بناء بالقرب من مركز تجاري إسرائيلي في رعنانا، وأنهما يتوجهان بشكل دائم إلى المركز التجاري من أجل استخدام المراحيض العامة فيه.

وقد تم الاعتداء على طارق من قبل المستوطنين خلال وجوده هناك، فيما حوّلت شرطة الاحتلال ما حدث إلى "عملية طعن"، ووجهت إلى طارق تهمة "محاولة القتل"، كما وجّهت لأخيه أحمد تهمة "المساعدة على القتل". وتشير الدويك إلى أن جلسة محكمة تمديد اعتقال طارق وأحمد التي عقدت، أمس الأربعاء، كانت سرية ولم يسمح للعائلة بحضورها، ولم تُقدم المحكمة أية أدلة واضحة على زعمها بتنفيذهما عملية الطعن، بحسب الدويك.

اقرأ أيضاً: الفلسطينيون في القدس ضحايا تصفيات مجرد الشبهة

المساهمون