برحيل الباحث الجزائري محمود يعقوبي (1931 - 2020)، يكون الفكر الفلسفي في الجزائر قد فقَد واحداً من أبرز أسمائه المؤسِّسة، وهو الذي برز منذ الستّينيات في المجالَيْن الأكاديمي والبحثي والترجمي، وألّف وترجم أعمالاً تزيد عن ثلاثين كتاباً عُدّ بعضُها من المراجع الأساسية في دراسة الفلسفة.
تخرّج يعقوبي، الذي وُلد في ولاية الأغواط جنوبَي الجزائر، بشهادة الثانوية من جامع الزيتونة في تونس وشهادة ليسانس في الفلسفة من "جامعة دمشق"، قبل أن يحصل على الماجستير والدكتوراه من "جامعة الجزائر". عمل أستاذاً لمادة الفلسفة في التعليم الثانوي ثمّ مفتّشاً ومدرّباً للأساتذة، قبل أن يلتحق بالتدريس في معهد الفلسفة بـ"جامعة الجزائر"، والذي غادره إلى "المدرسة العليا للأساتذة" في بوزرّيعة بالجزائر العاصمة، حيث عمل مدرّساً لمادتَي المنطق والميتافيزيا.
ظلّ يعقوبي منافحاً عن التعليم في وجهِ ما أصابه من تشويهٍ وضعف فكريَّين ولغويَّين رأى أنهما السبب الرئيسي في ما لحق به من انحطاط. وقد بنى رؤيته لمواجهة هذا الواقع على توجُّهَين رئيسيَّين: ضرورة إعادة الاعتبار إلى اللغة العربية بوصفها عمود التفكير وأساسه، مُعتبراً أنَّ أيَّ مساسٍ بها إنما هو مساسٌ بالتفكير في حدّ ذاته، وضرورةُ الاستناد إلى المنطق كوسيلة للفهم والاستدلال الصحيح؛ حيث لا يستقيم التفكير دونه.
ألّف وترجم قرابة ثلاثين كتاباً عُدّ بعضُها مراجع أساسية في دراسة الفلسفة
وإلى جانبه تصدّيه للمشاكل المختلفة في مجال التعليم من خلال معالجاته الفكرية وتصوُّراته المستقبلة، اتشغل يعقوبي، أيضاً، بإحياء التراث الفكري الإسلامي والدفاع عنه؛ ففي كتابه "المنطق الفطري في القرآن الكريم"، حاجج بأنّ القرآن والأحاديث النبوية وكُتب الفقه وعلوم الدين تحتوي على أقيسة منطقية وحجج عقلية وبراهين جدلية، ولا تكاد تخلو من أنواع الجدل وطرق الحجاج وسبل الاستدلال المنطقية، في حين أبرز في كتابيه "ابن تيمية والمنطق الأرسطي و"مسالك العلّة وقواعد الاستقراء بين الأصوليّين وجون ستيوارت ميل" دور علماء الإسلام في استخدام القواعد القلية والاستدلالات المنطقية التي هي أساس التفكير الاستقرائي الغربي والمنهج التجريبي الحديث.
من أبرز مؤلّفاته: الكتاب المرجعي "الوجيز في الفلسفة" (1971)، و"مدخل إلى المقالة الفلسفية" (1981)، و"ابن تيمية والمنطق الأرسطي: الأصول التجريبية لنقد المنطق المشائي" (1992)، و"دروس في المنطق الصوري" (1993)، و"المنطق الفطري في القرآن الكريم" (200)، و"مسالك العلّة وقواعد الاستقراء بين الأصوليين وجون ستيوارت ميل"، و"خلاصة الميتافيزياء" في أربعة أجزاء (2002)، و"أصول الخطاب الفلسفي" (2009).
ومِن الكتب التي ترجمها إلى العربية: "المختار من النصوص الفلسفية" (1970)، و"المنطق الصوري" لـ جول تريكو (1992)، و"مدخل إلى فلسفة المنطق" لـ دوني فرنان (2005)، و"أساس الاستقراء ودراسات منطقية" لـ جول لا شوليي (2003)، و"المنطق والمنطق الشارح" لـ ماري لويز رور (2009).
كما ترجم عدداً من كتب الفيلسوف الفرنسي روبير بلانشي؛ من بينها: "الاستدلال" و"المدخل الى المنطق المعاصر" و"الاستقراء و القوانيين الطبيعية" (2003)، و"المنطق وتاريخه من أرسطو إلى راسل" الإبستمولوجيا- نظرية العلم" (2004)، و المصادريات (2005)، و"مدخل إلى المنطق المعاصر" (2006)، و"العقل والخطاب: دفاع عن المنطق الفكري (2010).
وفي 2013، أصدر "مخبر التربية والإبستمولوجيا" في الجزائر العاصمة كتاباً عنه بعنوان "محمود يعقوبي: شهادات ودراساتٌ" تناول سيرته الذاتية والعلمية وتضمّن شهادات عددٍ من الباحثين الجزائريّين حوله.