محمد عدراوي.. باحث الظواهر الإسلامية

02 يناير 2016
محمد عدراوي الباحث في العلوم السياسية (العربي الجديد)
+ الخط -
كان ما حدث في باريس، مؤخرا، دافعا لمحاورة محمد عدراوي، فسألناه عن قراءته، قال: "نحن أمام شيء جديد، أي مع "الجيل الجهادي"، كما نطلق عليه. الوضع مختلف عمّا فعله خالد قلقال، في التسعينيات من القرن الماضي. أرادوا، هذه المرة، أن يضربوا قلب باريس وأن يقتلوا أكبر عدد من الناس، لا ليبرهنوا أن المجموعة التي كانت وراء هذه الهجمات، قوية جدا، بل قادرةٌ على معاقبة فرنسا عبر نشر رُعْب حقيقي لدى الشعب الفرنسي وبالطبع للدولة الفرنسية. وأثبتوا أنهم لم يكونوا بعيدين عن الرئيس فرانسوا هولاند، فقد ضربوا بالقرب من مكان تواجده. وإن ما جرى له ارتباط واضح بانخراط فرنسا في سورية والعراق. وتوجد عدة طرق لشرح هذا الارتباط".
وهل للاعتداءات علاقة بالتدخل الفرنسي والغربي في العراق وسورية، أم لمعارضتهم لنمط حياة الغرب وديمقراطيته، كما يردد ساسة غربيون، يقول: "هذا الخطاب للاستهلاك الداخلي. صحيح أن الفاعلين ليس لديهم تعاطف مع نمط العيش الغربي. ولكن كثيرا من الدول الأوروبية وغيرها لم تشارك في التحالف الدولي فلم يتمّ استهدافها. بينما تم استهداف دول عديدة يوجد تبايُنٌ كبير فيما بينها، في ما يتعلق بتاريخها ونظام الحكم الذي يسود فيها. وهو ما يعني أن محرّك عمل الجهاديين هو معاقبة فرنسا على علاقاتها الوثيقة مع دول فاسدة واستبدادية، وعلى تواجدها العسكري في الشرق الأوسط، وعلى تحالفها مع إسرائيل، إلخ. ولهذا أقول إنه لا يجب أن تغيب عن أعيننا بعضُ المحفّزات السياسية". وسألنا صاحب كتاب "من الخليج إلى الضواحي: السلفية المعولمة"، إن كان لهؤلاء المتشدّدين علاقة ما مع السلفيين، كما تزعم وسائل الإعلام والكثير من الذين يتمّ تقديمُهُم في الميديا باعتبارهم باحثين؟، فكان جوابه: "لقد قيل نفس الشيء بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001. البعض تحدّث عن الإسلاموية، ثم انتقلنا إلى الإسلاموية الراديكالية ثم إلى السلفية ثم إلى الجهادية إلخ.. هذا يثبت أننا إزاء "مشكل فكري"، أي أننا لا نستطيع التقاط الرهانات. ففي جملة واحدة، يستطيع بعض المعلقين أن يتحدثوا لك عن الإسلام والإسلاموية والإسلام الراديكالي والسلفية والجهادية والتكفيرية وأشياء أخرى كثيرة... أي يوجد من يرى أن الأصولية والتمامية والتطرف والجهادية والسلفية والتكفيرية والإسلاموية والراديكالية تعني نفس الشيء. ولكني أرى أن الأغلبية الساحقة من الاتجاه السلفي ليسوا دُعاة عُنف، بل ويُوجّهون نقداً لاذعا للجهادية وللتكفيرية. قد تجد من يقول لك إن السلفية
تعني الإرهاب. ولكن الأمر ليس بمثل هذه البساطة، فمثلا توجد دول تتبع السلفية كمذهب، تتضمن قوانينُها نصوصا ضد الإرهاب، كما تفعل المملكة العربية السعودية، مثلاً".
وضعية الجالية الإسلامية صعب، فما الذي عليها أن تفعله؟ يجيب: "أنا لن أتحدث إلا باعتباري باحثا. لا أرى، من وجهة نظر سوسيولوجية، وجودا لجالية أو مجموعة عربية إسلامية في فرنسا. فاليوم، الخاصية الوحيدة التي تَسم الأشخاص الذين نشير إليهم باعتبارهم عربا ومسلمين هو النزوع الفردي والتشظي. فمسار الأفراد المنحدرين من عائلات مسلمة أو من معتنقي الإسلام في الالتحاق بالشبكات الجهادية مسارٌ فرديٌ، وليست المجموعة وراء ذلك. نحن، إذن، أمام "مجموعة" أو "مجموعات" متباينة، ما بين "شباب" و"بالغين"، وما بين "فرنسيين" و"آخرين قدموا من بلدان أخرى". لا يُمكن أن نتحدث عن المجموعة الإسلامية في فرنسا. إنما هي موجودة في نظر من ينظر إليها من خارج المجموعة الإسلامية... وقد بدأت طائفة من مسلمي فرنسا تعتبر نفسها كذلك، منذ أن بدأت وسائل الإعلام والسياسيون يتحدثون عن هذه المجموعة الإسلامية. يوجد نقاشٌ حول الموضوع، ولكن من زاوية علم الاجتماع لا تشكل قوة. فمثلا، لا يوجد اليوم "صوت إسلامي" في فرنسا، في حين أن كل علماء الاجتماع الجدّيين يُجمعون على وجود "ناخب مسيحي" في فرنسا، أي يوجد شكلٌ من التصويت الكاثوليكي. بينما الأشخاص الذين يمتلكون إرثا إسلاميا، فإن ممارستهم الانتخابية لا تتم على ضوء علاقتهم مع انتمائهم الديني، بل وفق وضعيتهم الاجتماعية. مثال آخر، يتعلق بزواج الأشخاص المنحدرين من عائلات إسلامية من عقود، فهم يتزوجون من جماعات أخرى، بنسبة تفوق معدّلات الجماعات الأخرى، ولا يظلون في إطار الجماعة الواحدة، وهذا نقيضٌ لفكر المجموعة ذاتها".
لم يتوقف تعليق الباحث أوليفي رْوا الأخير عن إثارة النقاش، فنطلب رأي عدراوي فيقول: "لا يتعلق الأمر بتطرف الإسلام بل بأسلمة التطرف"، فقال عدراوي: "هو ليس أول من يقول هذا. إنه يمتلك نظرة أكثر شمولية. فهؤلاء الجهاديون الشباب قريبون، في نظره، وبشكل وثيق، بالأشخاص الذين انتموا إلى اليسار المتطرف في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أكثر من قربهم من مسلمي النهضة أو الإخوان المسلمين. هو ينظر إلى الراديكالية الجهادية على امتداد فترة طويلة، ويرى أن الجهاديين يتقاسمون نفس البروفايل مع اليسار المتطرف، فهم شباب يافعون وهم ليسوا مرتبطين بجماعة معينة، وهم أشخاص ليسوا منظمين أيديولوجياً. ويرتكز أوليفيي رْوَا على كون هؤلاء الشباب المتوجهين إلى سورية لا يمتلكون ثقافة دينية قوية. إنهم أناس مفتونون بالحركة والعنف والتطرف، قبل انغراسهم في الدين الإسلامي. ويمنحنا أوليفيي رْوا مثالاً على طبيعة هؤلاء الجهاديين غير المنغرسين في الدين الإسلامي، إذ إنهم "حين يصلون إلى سورية يعجزون عن العثور على زوجات، ولا يريد أحد هناك تزويجهم بابنته. كيف تريد لزعيم قبيلة سنية في العراق أن يزوّج ابنته لشاب ينحدر من ضاحية باريسية؟!".

المساهمون