استمع إلى الملخص
- **قصص معاناة الأسر بسبب الأمراض الوراثية:** عدنان الجاسم رزق بولدين مصابين بالتلاسيميا، ومحمد السلوم لديه ثلاثة أبناء بإعاقات عقلية نتيجة زواج الأقارب، مما يسبب ضغوط نفسية واجتماعية.
- **الآثار الاجتماعية والاقتصادية لزواج الأقارب:** زواج الأقارب يعمق العلاقات الأسرية ويحافظ على الثروات، لكن الحرب السورية والفقر ساعدا على انتشاره. الفحص الطبي قبل الزواج مهم لتجنب المخاطر الصحية.
لا تزال العديد من العائلات في إدلب شمال غربي سورية تتمسك بعادة زواج الأقارب، رغبة منها بالحفاظ على العلاقات الأسرية، من دون مراعاة ما يسببه هذا الزواج من تشوهات خلقية أو آثار سلبية على صحة الأبناء الجسدية والعقلية، خاصة في ظل عدم الاهتمام بإجراء الفحوص الطبية قبل الزواج.
تعيش الشابة عائشة السيد (22 سنة) في قرية كفريحمول شمالي إدلب، وقد تركت تعليمها قبل ثلاث سنوات لتتزوج "بحكم العادات" من ابن عمها بعد منع غيره من التقدم لخطبتها، ليرزقا بعد زواجهما بطفل من "ذوي الاحتياجات الخاصة"، وتقول لـ"العربي الجديد": "ابني مصاب بمرض يطلق عليه (الأنيميا المنجلية) وهي واحدة من اضطرابات خلايا الدم، إذ يتغير شكل كريات الدم الحمراء المسؤولة عن نقل الأكسجين إلى كل أعضاء وأنسجة الجسم، فتكون منجلية الشكل. هذا المرض بحسب الطبيب المشرف على حالته ينشأ بسبب عوامل وراثية ناتجة من زواج الأقارب، أو ينتقل من الوالدين إلى الأبناء في حال كان أحدهما يحمل المرض، وهو يستمر مدى الحياة، ويمكن التحكم به من خلال منع حدوث مضاعفات، وعلاجه الوحيد هو زراعة نخاع الدم".
وتشير السيد إلى أن ولدها كان في الشهر الثالث من عمره عندما بدأت تظهر عليه أعراض مرضيّة مثيرة للقلق، من بينها الحمى، وآلام شديدة تجعله لا يكف عن البكاء، مع اصفرار في العينين، وبعد إجراء فحص الدم تبينت إصابته بالمرض، مؤكدة أنها قررت مع زوجها التوقف عن الإنجاب حتى لا تجني على أطفال آخرين، ويتجنبا تكرار المأساة.
تزوج عدنان الجاسم (42 سنة) وهو نازح من ريف معرة النعمان الشرقي إلى مخيم حربنوش شمالي إدلب، من ابنة عمه التي تكون في نفس الوقت ابنة خالته، ليرزقا بولدين مصابين بمرض التلاسيميا، ويقول: "مرض أولادي ليس له علاج، ونعاني من ضغوط نفسية واجتماعية يُضاف إليها معاناة نقل الدم، وغلاء أسعار الأدوية، إلى جانب قلّة العيادات المختصة بهذا المرض".
يضيف الجاسم: "يحتاج الولدان إلى نقل دم كل أسبوعين للبقاء على قيد الحياة، وحياتهما في خطر دائم مع كل تأخير في الحصول على العلاج، وقد أصبحت أكثر وعياً بعد فوات الأوان، وأنصح كل من يقابلني بضرورة الابتعاد عن زواج الأقارب".
وتؤكد المرشدة الاجتماعية نور السبيع (25 سنة) من بلدة حزانو شمالي إدلب، أن "الآثار الاجتماعية لزواج الأقارب لا تقل أهمية عن الآثار الصحية، وعلى الرغم من المخاطر الصحية المتمثلة في الأمراض الوراثية، والتحذيرات الطبية المتواصلة بشأنها، لا تزال نسبة كبيرة من الأسر تحرص على عادة مصاهرة الأقارب لإيمانها بأهمية النسب في تقوية الروابط الأسرية، فضلاً عن المحافظة على الثروات والأراضي والممتلكات داخل الأسرة الواحدة. الزواج من المحيط العائلي قد يعمق العلاقات، لكنه في ذات الوقت قد يصبح نقمة على الصلات الأسرية إذا نشبت خلافات بين الزوجين، ووصلت المشكلات لطريق مسدود".
وتؤكد السبيع لـ"العربي الجديد"، أن "ظروف الحرب السورية ساعدت على انتشار زواج الأقارب باعتبار أن الأقارب عادة لا يغالون في طلباتهم على عكس النسب من خارج العائلة، ويتم إلزام ابن الخال أو ابن العم بالزواج من داخل العائلة بسبب الفقر، فالشبان غير قادرين على تأمين المهر، وتلبية الاحتياجات والمتطلبات الزوجية، وكذلك الأمر من جهة الفتيات اللاتي يعانين من تأخر سن الزواج بسبب هجرة كثير من الشبان، وعدم إقدام آخرين على الزواج بسبب الفقر وشح فرص العمل".
ويروي محمد السلوم (41 سنة) من بلدة باريشا شمالي إدلب، أنه أب لخمسة أبناء، ثلاثة منهم أطفال غير طبيعيين، ويقول: "حين اخترت الزواج من ابنة عمتي لم أفكر بالمخاطر، ولم يتبادر إلى ذهني أن أطفالي سيرثون الأمراض من جراء هذا الزواج. رزقت بخمسة أبناء، وثلاثة منهم مصابون بإعاقات عقلية، وأعيش في حزن دائم على وضعهم المأساوي، إذ تفتقر البلدة إلى مدارس لتعليم المعوقين أو مراكز لتأهيلهم ودعمهم، وليس بمقدوري علاجهم على نفقتي الخاصة. أكثر ما يحزنني هو عدم قدرة أولادي على الاعتماد على أنفسهم، كما أنهم لا يدركون الأخطار المحيطة، ما يهدد حياتهم".
ومن مدينة إدلب، يقول طبيب الأطفال، محمد اليوسف: "لا يزال زواج الأقارب أحد أبرز الأسباب التي تؤدي إلى حالات تشوه الأجنة، وأمراض متفاوتة الخطورة، لاسيما إذا أهمل الفحص قبل الزواج، وتأخرت عملية الكشف على الحوامل، ما يؤثر على الأطفال أثناء نموهم في رحم الأم، ويسبب عيوباً في أجزاء من الجسم، كالقلب أو الدماغ أو الأطراف. إذا تزوج الرجل من إحدى قريباته، وكان كل منهما يحمل نفس العامل الوراثي لصفة صحية أو مرضية، فإن 75% من أولادهما ستظهر عليهم تلك الصفة، وكلما قلت درجة القرابة يقل احتمال وجود الإعاقات".
ويضيف اليوسف: "أهم الأمراض المتعلقة بالوراثة المنتشرة في الشمال السوري هي أمراض الدم، ومن بينها التلاسيميا وفقر الدم المنجلي، إضافة إلى اضطرابات التخثر، وأهمها الناعور، ومن الأمراض التي يمكن انتقالها إلى الأطفال والأحفاد أيضاً التأخر العقلي، وأمراض الكبد والسكري ونقص المناعة ومتلازمة داون وغيرها. قد يبدو الشخص سليماً في الظاهر، لكنه فعلياً يكون حاملاً للمرض، ولا يتم ملاحظة المشكلة إلا عند زواجه من إحدى قريباته الحاملة لذات المرض".