ولد ظريف في العاصمة الإيرانية طهران في 7 يناير/ كانون الثاني 1960، ونشأ وسط عائلة ميسورة الحال ومتديّنة، وهو أصغر أبنائها. كان والده تاجراً معروفاً في البازار، لم يحبذ أن يخوض ابنه غمار السياسة آنذاك. إلا أن حرمانه من الصحف والتلفاز والإذاعة من قبل والديه، لم يمنعه من متابعة تطورات إيران السياسية، والأفكار الثورية التي كانت تدغدغ مشاعر الشباب حينها، فتأثر في وقت مبكر من عمره بمؤلفات المفكر الإيراني علي شريعتي.
درس ظريف في طهران في مدرسة "علوي" التي أصبح كثير من تلاميذها لاحقاً من أبناء وقيادات الثورة الإسلامية في إيران. وقبل نحو عامين من قيام الثورة، وفي الـ17 من عمره، أرسله والده إلى الولايات المتحدة للدراسة هناك بعيداً عن الأوضاع السياسية والأمنية الحساسة التي كانت تمرّ بها البلاد آنذاك. وبعد إكمال دراسته الثانوية في مدرسة في سان فرانسيسكو، التحق بجامعة الولاية وحصل على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية عام 1981، ثم الماجيستر في الفرع نفسه بعد عام تقريباً، إلى أن نال شهادة الدكتوراه في القانون الدولي والسياسة عام 1988 من جامعة دنفر الأميركية. وكان أثناء دراسته من نشطاء الكتلة الإسلامية للطلاب في الولايات المتحدة وكندا.
مهمات ومناصب
شغل ظريف مناصب دبلوماسية عديدة في الخارجية الإيرانية قبل توليه الوزارة، لم يشغلها من قبل وزراء الخارجية الإيرانيون الاثنا عشر السابقون، منها مساعد الوزير للشؤون القانونية والدولية لعشر سنوات من 1992 حتى 2002، وسفير إيران الدائم في الأمم المتحدة لخمس سنوات من 2002 حتى 2007، إضافة إلى مناصب دولية، مثل رئاسته اللجنة الحقوقية للجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، واللجنة الثقافية في منظمة "يونسكو"، ولجنة نزع السلاح في الأمم المتحدة، بحسب موقع الخارجية الإيرانية.
ولخلفيته الدبلوماسية هذه، اقترحه الرئيس حسن روحاني ضمن تشكيلته الوزارية بعد فوزه في انتخابات الرئاسة عام 2013، على البرلمان الإيراني، فنال ظريف ثقة المشرعين بحصوله على نسبة عالية من أصواتهم، إذ صوّت له 232 نائباً من أصل 281 حضروا الجلسة، ثم نال الثقة مجدداً، بعد أن قدّمه روحاني مرة أخرى ضمن فريقه الوزاري إلى البرلمان، بعدما فاز في انتخابات الرئاسة عام 2017.
تعيين ظريف في منصب وزير الخارجية ما كان ليحصل لولا موافقة المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، إذ تُعتبر الخارجية من الوزارات الإيرانية السيادية، التي ينبغي أن يحصل المرشحون لتوليها على موافقة مسبقة من المرشد، وفقاً للعرف السائد في البلد.
وعلى الرغم من هجمات متواصلة تعرّض لها ظريف من المحافظين خلال السنوات الماضية، فإن علاقات طيبة تربطه بالمرشد الأعلى، وتعود، بحسب وسائل إعلام إيرانية، إلى عام 1988، عندما زار خامنئي نيويورك بصفته رئيساً للمشاركة في اجتماعات الدورة الثانية والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وتؤكد ذلك موافقة المرشد على تعيينه وزيراً للخارجية مرتين، وعبارات استخدمها بشأن ظريف مثل "ابن الثورة، والأمين الشجاع، والصديق العزيز".
عُرف ظريف بنشاطه الدبلوماسي "الدؤوب" على مدى سنوات عديدة من عمله وإقامته في الولايات المتحدة، لا سيما أثناء شغله منصب سفير بلاده في الأمم المتحدة، ونجح في فتح علاقات واسعة مع نخب المجتمع الأميركي، ونشطائه السياسيين، لدرجة أن رئيسة كلية الشؤون الدولية سابقاً في جامعة كولومبيا ليزا اندرسون، سألته خلال إحدى زياراته إلى الكلية، "هل تريد المشاركة في المبارزات الانتخابية في أميركا؟"، بحسب صحيفة "هيرالد تريبيون" الأميركية.
وفضلاً عن خلفيته وعلاقاته الدبلوماسية الواسعة، ساهم حدثان مهمان في تسليط الأضواء على ظريف أكثر كدبلوماسي إيراني بارز، الأول الدور الكبير الذي قام به في المفاوضات التي جرت في أروقة الأمم المتحدة في الأشهر الأخيرة من الحرب الإيرانية العراقية، وانتهت إلى إصدار القرار 598 في مجلس الأمن، الذي أنهى الحرب. وتقول الوثائق الإيرانية إنه فيما كانت تسعى قوى دولية لإدراج مضامين في القرار لم تكن مُرضية لإيران، فإن ظريف نجح في ضم رسالة بلاده حول إنهاء الحرب مع العراق إلى القرار الأممي، كتبها هو بنفسه بعناية، باعتباره الدبلوماسي الإيراني الوحيد الذي كان يتقن اللغة الإنكليزية بطلاقة آنذاك. وباتت تعرف الرسالة بـ "Tantamount Letter" في وثائق الخارجية الإيرانية.
أما الحدث الثاني فهو قيادة ظريف للمفاوضات النووية "الماراثونية" لبلاده مع مجموعة الست الدولية، وذلك بعد أن نجح هو وروحاني في كسب موافقة خامنئي في سحب ملف المفاوضات من مجلس الأمن القومي الإيراني، ونقله إلى الخارجية الإيرانية. وفيما فشل المفاوضان الإيرانيان السابقان، حسن روحاني وسعيد جليلي، اللذان شغلا منصب أمين مجلس الأمن القومي الإيراني في حكومتي الرئيسين محمد خاتمي، ومحمود أحمدي نجاد، في إحراز تقدّم يذكر خلال توليهما رئاسة ملف المفاوضات النووية، نجح ظريف في التوصل إلى صفقة نووية مع المجموعة الدولية، في غضون أقل من عامين على إدارته الملف، وهو ما يُعتبر أهم إنجاز له ولحكومة روحاني على مدى السنوات الست الماضية، منذ تولي الأخير الرئاسة بإيران في يوليو/ حزيران 2013. إثر ذلك، منحه الرئيس الإيراني الذي وجد في الاتفاق تجسيداً عملياً لسياسته الداعية إلى الانفتاح على الغرب، وسام اللياقة الوطني من الدرجة الأولى لدوره المهم في التوصل إلى الاتفاق النووي.
كما أن البعض لقبه أيضاً في الداخل بـ"بطل الدبلوماسية الإيرانية"، فيما وصفه روحاني خلال إحدى جلسات مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، العام الماضي، بـ"ماركة الحكومة"، قائلاً "بعض وزرائنا تُعتبر أسماؤهم ماركة جذابة في العالم، فالدكتور ظريف شخصية معروفة في عالم السياسة، والجميع يفتخر أن يجلس معه ويتحدث إليه".
ظريف الذي يُعتبر من تلاميذ مدرسة الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني، الداعية إلى الدبلوماسية لإنهاء الصراع الأميركي الإيراني، كسر "تابو" التواصل مع المسؤولين في الإدارة الأميركية بعد الثورة الإسلامية في إيران، من خلال إجرائه عشرات اللقاءات والاتصالات مع نظيره الأميركي، جون كيري، أثناء المفاوضات النووية، ما عرّضه إلى انتقادات واسعة ومضايقات من التيار الأصولي المحافظ، فكانت كل حركاته تحت المرصاد والمجهر. ويؤخذ عليه مجرد الضحك أو الابتسام خلال جلسات التفاوض. فعلى سبيل المثال، تعرّض إثر نشر صورة له خلال سيره مع كيري في شوارع فيينا إلى هجوم كبير من المحافظين، وصل إلى حد تنظيم تظاهرات ضده، والمطالبة باستجوابه في البرلمان.
وعلى الرغم من أن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو/ أيار 2018 قد حوّله إلى اتفاق من جانب واحد، مع عودة العقوبات الأميركية، إلا أن ذلك لم يمنع ظريف وروحاني وأنصارهما من الاستمرار في الإشادة بالاتفاق، باعتباره "إنجازاً أبطل مفعول 6 قرارات صادرة عن مجلس الأمن ضد إيران، وأنهى الإجماع الدولي ضدها، فيما عزلت واشنطن نفسها بالانسحاب منه"، على حد قولهم.
إخفاقات
على الرغم من "إنجازه النووي" وانفراج خجول شهدته العلاقات الإيرانية مع الغرب، أثناء تولي ظريف وزارة الخارجية الإيرانية، تعرّض لاحقاً إلى نكسة كبيرة بفعل الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المختلفة عن سلفه الديمقراطي باراك أوباما في التعامل مع إيران. لكن في الوقت نفسه، شهدت علاقات بلاده مع العالم العربي، وبالذات مع محيط إيران العربي الخليجي خلال توليه الوزارة، مزيداً من التدهور، إذ انهارت العلاقة مع الرياض في عام 2015، بعد إغلاق سفارتها في طهران إثر تعرضها لهجوم، وقطعت بعد ذلك دول عربية علاقاتها معها، ما أعطى دفعة قوية لسياسة ترامب الشرق أوسطية في مواجهة إيران خلال العامين الماضيين من خلال بناء تحالفات مع كل من السعودية والإمارات وإسرائيل ضد إيران.
وفيما قرر ظريف أن يغادر منصبه، وألا يبقى "ماركة" حكومة روحاني، أصبح الصراع الأميركي الإيراني وارتداداته الإقليمية والدولية يتخذان أبعاداً خطيرة كل يوم، وفقاً لاستراتيجية "الضغوط القصوى" التي تمارسها إدارة ترامب في مواجهة إيران وملفاتها، في مقدمتها البرنامج الصاروخي، والدور والنفوذ الإقليميان. كما أن العلاقات الإيرانية الأوروبية أيضاً ليست على ما يرام، بعد تصعيد متدرج باتت تتبعه أوروبا مع إيران بداية عام 2019، تمثّل في فرض عقوبات عليها والتهديد بالمزيد حال لم تستجيب طهران للطلب الأوروبي بالتفاوض بشأن برنامجها الصاروخي، ليؤكد مسايرة أوروبية للسياسة الأميركية تجاه إيران، ما قد يدفع الأخيرة خلال المرحلة المقبلة إلى تنفيذ تهديداتها المتصاعدة هذه الأيام بالانسحاب من الاتفاق النووي، لينهار تماماً أهم مكسب حققه ظريف خلال توليه الخارجية الإيرانية.