محتجزون سوريون في قبرص مضربون عن الطعام

22 يناير 2020
ماضون في احتجاجهم (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل نحو أسبوعَين، بدأ طالب اللجوء السوري الذي يُعرّف عن نفسه باسم محمد وثمانية من رفاقه السوريين إضراباً عن الطعام في مركز "منويا" للاحتجاز في جزيرة قبرص، شرقي البحر الأبيض المتوسط، احتجاجاً على تعامل السلطات القبرصية معهم. ويشاركهم في إضرابهم المستمرّ مواطن مصري واحد، علماً أنّهم جميعاً وصلوا إلى الجزيرة، تحديداً إلى القسم اليوناني منها، وهدفهم اللجوء.

وكان طالبو اللجوء هؤلاء قد وصلوا إلى قبرص، بعدما غادروا سورية، في فترات مختلفة وتوجّهوا بداية إلى المخيمات التي تخصّصها السلطات القبرصية لطالبي اللجوء. لكنّ تلك السلطات حوّلتهم في وقت لاحق إلى مركز "منويا"، وثمّة من يقبع في داخله منذ نحو عام، فيما ثمّة من وصل قبل شهر تقريباً. ولأنّ المعاملة سيّئة والخدمات متردية، قرّروا الدخول في إضراب عن الطعام، علماً أنّ السبب الرئيس يبقى طريقة احتجازهم التي تبرّرها السلطات قائلة إنّهم "يشكلون خطراً على الأمن القومي القبرصي"، من دون إعطائهم أيّ تفاصيل إضافية.

يقول محمد الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد" إنّ المحتجزين جميعاً "جاؤوا إلى قبرص من أماكن مختلفة بطرق غير شرعية، سواء عبر البحر من تركيا أو لبنان أو من القسم التركي من الجزيرة، وطلبوا اللجوء عند نقطة العبور إلى قبرص اليونانية". يضيف: "منذ وصول كل واحد منّا، تقدّمنا بطلبات لجوء في القسم اليوناني وأتممنا كلّ الإجراءات اللازمة، فخضعنا إلى فحوصات طبية وإلى تحقيقات من قبل جهات عدّة لم نعلم هوية بعضها. من بين تلك الجهات التي استجوبتنا جهة أمنية، كذلك ثمّة منظمات لإحصاء اللاجئين وطالبي اللجوء". ويتابع محمد أنّه "بعد الانتهاء من تلك الإجراءات في داخل المخيّمات المؤقتة، بدأت السلطات تسحبنا منها وتنقلنا إلى مركز الاحتجاز. من جهتي، أخذوني إلى مركز الاحتجاز في اليوم الذي تلا وصولي إلى الكامب (المخيّم)، والآخرون جميعاً لم تطل فترات بقائهم في المخيّم قبل أن يُنقلوا إلى مركز الاحتجاز. وقد أتى ذلك عموماً بعد التحقيق الأوّل، بذريعة أنّنا نشكّل خطراً على الأمن القومي من دون أن نعرف ماهية هذا الخطر. فالسلطات لم توجّه إلينا أيّ تهم محدّدة مقترنة بدلائل وبراهين، من قبيل أن يكون لأحدنا سلوك تخريبي أو غير قانوني أو غير ذلك". ويؤكد أنّه "حتى عند استدعائنا إلى المحاكم هنا وتوكيلنا محامين للدفاع عنّا، لم يطلعنا أحد على ملفاتنا ولم توجّه إلينا التهم. والمحامون المكلفون بالدفاع عنّا لم يطّلعوا بدورهم، بشكل كامل، على ملفاتنا، فيما تبقى التهمة فضفاضة".

وتشير معلومات من التحقيق الأولي حصلت عليها "العربي الجديد"، إلى أنّ الأمن القبرصي ضبط في ذاكرة هواتف بعض المحتجزين صوراً لهم وهم يحملون السلاح، من دون التأكد من ماهية تلك الصور. هل التُقطت على جبهات قتال مع طرف من الأطراف المتصارعة؟ أم أنّها صور عادية في ظل انتشار السلاح في سورية منذ عام 2011؟ سألنا محمد فأجاب: "أنا شخصياً خرجت من سورية قبل 14 عاماً، ودرست وعملت هنا في قبرص قبل أن أغادرها في عام 2012 بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، وتوجّهت إلى لبنان. وعندما ضاقت بها الأوضاع هناك، قرّرت العودة. وهو ما يؤكد أنّ لا علاقة لي بالسلاح أو التسلّح الحاصل في سورية". يضيف: "أمّا بالنسبة إلى الشبّان الآخرين، فوجود صور مع أسلحة أمر طبيعي، والكلّ يعلم أنّ السلاح صار متوفّراً في معظم البيوت، سواء في مناطق النظام أو المعارضة، علماً أنّ تلك الصور استعراضية لا علاقة لها بجبهات القتال".



ومحمد وصل إلى قبرص في المرّة الأخيرة، من دون تعاون مع أيّ مهرّب، فهو اشترك مع 33 سورياً آخرين، معظمهم من أقاربه، لشراء قارب، متكّلين على أربعة منهم من أبناء الساحل وبالتالي على دراية بالتعامل مع البحر. وقد تناوب هؤلاء على قيادة القارب حتى وصلوا إلى قبرص. ويلفت محمد إلى أنّ "السلطات القبرصية حاولت في بداية الأمر إلصاق تهمة التهريب بي، إلا أنّها لم تنجح في ذلك بعدما أكّد الركاب بمعظمهم أنّ العملية كانت مشتركة واعترف الشبّان الذين تناوبوا على قيادة القارب بذلك. نظنّ أنّ الأمر يتعلّق بوشايات إمّا عن طريق السفارة، وإمّا من خلال أشخاص يرتبطون بالنظام، وإمّا عن طريق الضغط على أشخاص معيّنين من طالبي اللجوء مطلوبين من قبل النظام للخدمة الاحتياطية أو الإلزامية أو لتهمة ما". ويوضح محمد الذي يقبع في مركز الاحتجاز منذ خمسة أشهر، أنّه "على خلفية المعاملة السيئة وبطء الإجراءات القانونية وعدم وضوحها، أعلنّا إضراباً مفتوحاً عن الطعام في إحدى باحات مركز الاحتجاز. لكن بسبب الأحوال الجوية الصعبة التي تسبّبت في مرض بعض المحتجزين، اضطررنا إلى العودة إلى داخل سجن المركز وإكمال الإضراب من هناك". بالنسبة إلى محمد، فإنّه "على الرغم من عدم تهديدنا بالترحيل بشكل مباشر، نحن نشعر بأنّ السلطات سوف تبقينا محتجزين أملاً باستقرار الوضع في سورية فتعيدنا إلى مناطق النظام. وعناصر الشرطة في مركز الاحتجاز على قناعة بأفضلية النظام، ودائماً ما يصرّحون أمامنا بذلك وبأنّ عودتنا إلى مناطقه لن تشكّل أيّ خطر علينا".

تجدر الإشارة إلى أنّ زوجة أحد المحتجزين بدأت من جهتها اعتصاماً وإضراباً عن الطعام في خيمة صغيرة أمام البرلمان القبرصي في العاصمة نيقوسيا، وهدفها إيصال معاناة زوجها ورفاقه إلى المسؤولين. لكنّ مسعاها لم يفلح في تحقيق أيّ نتيجة حتى الآن، في ظل التضييق عليها من قبل الأمن القبرصي وعدم السماح لها بالوصول إلى المسؤولين.



في السياق، تواصلت "العربي الجديد" مع المحامي مهند الحسني رئيس "المنظمة السورية لحقوق الإنسان" الذي يتواصل مع المحامية الموكّلة الدفاع عن ثلاثة من المحتجزين، للاطلاع على ما يجري. يقول الحسني إنّ "تهم المحتجزين أو الذين اطّلعت على ملفاتهم هي الإرهاب. ومع الأسف، فإنّ إلصاق مثل هذه التهمة بأيّ شخص يُفقده كل الضمانات". يضيف: "أنا اطلعت على الإجراءات القانونية المتخذة بحقهم والملفات الخاصة بهم، وأحدهم لم يدخل إلى سورية منذ نحو 14 عاماً، فكيف تكون له علاقة بعمل إرهابي ما؟". ويرى الحسني أنّ "الحلول القانونية لإخراج المحتجزين من هذه الأزمة تقتضي اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حتى يكون لها دور رقابي على أقلّ تقدير. فهي موقّعة على الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، ولا أظنّ أنّ ثمّة خرقاً قد يحصل في هذا الملف، من خلال الإجراءات الوطنية القبرصية، لأسباب عدّة وفي مقدّمتها أسباب دينية". ويؤكد الحسني أنّ "أوضاع اللاجئين السوريين هي في تدهور في كلّ أنحاء العالم، وسبب ذلك هو جهد النظام لإلصاق تهمة الإرهاب بكل الذين فرّوا من قبضته، وهو مستعد لتقديم كلّ ما يساعد على التضييق عليهم وملاحقتهم".