مجموعة "الصباح" في القصر الرئاسي الإيطالي

01 سبتمبر 2015
+ الخط -
لأوّل مرّة ينظم في العاصمة روما، معرض لفن الحضارة الإسلامية، في قصر "كويرينالي" مقرّ الرئاسة الإيطالية، وتحديدًا في متحفه "سكوديريي كويرينال" يقدّم لجمهور من الإيطاليين وغيرهم، تحفًا فنية نادرة من "مجموعة الصباح"، وهي جزءٌ من المجموعة الخاصّة بالعائلة المالكة في الكويت.
أشرفت المؤسسة الخاصّة "بالا إكسبو" بالتعاون مع دار الآثار الإسلامية والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت على هذا المعرض الذي يُسفّر للمرّة الأولى هذه التحف خارج الكويت.
وتحت عنوان "فن الحضارة الإسلامية - مجموعة الصباح الكويتية" يستطيع الزوّار رؤية هذه التحف، في متحف القصر، ضمن هذا المعرض الذي افتتح في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز الماضي، ويستمرّ إلى غاية العشرين من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري.
المجموعة الجميلة والاستثنائية، منبتها وأصلها مصر وسورية وإسبانيا، وعدد القطع المعروضة، ثلاثمائة وخمسون، من "عيون" فنون الحضارة الإسلامية إن جاز التعبير.
تشعّ القطع الفنية مثل الجواهر في متحف القصر الرئاسي الإيطالي، وقد عُرضت في طابقين، ضمن مفهوم خاصّ يقوم على تقسيمها وفقًا لأمرين: الزمن والموضوع، لتتيح شدّ الاستمتاع بالفنّ الإسلامي إلى أقصاه.
وفقًا للزمن، نجد النقود والمسكوكات، والسجاد والقماش وكيف ترتبت زمنيًا، وظهر التطور في صناعتها وتقنياتها، إذ تغطي المعروضات عمر الحضارة الإسلامية العريقة، منذ أزيدَ من ألف وأربعمائة عام، وكذا لا تغفل فترة ما قبل الإسلام.
أمّا القسم الثاني من المعرض، فيضم مجالات معرفية برع المسلمون فيها، وتمتدّ جغرافيًا من إسبانيا إلى الصين، لتضيء على: فن الخط، والهندسة، والعمارة، والأرابيسك، والمجوهرات، ثمّ قسم الفنون البصرية.
ويتمتع هذا الأخير باهتمام كبير، إذ تقول الناقدة الفنية الإيطالية "فالينتينا باربيي" في مقال لها في صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية إن "له هدفا واضحا جدًا، يهم مكافحة التحيز الذي لا يزال سائدًا بقوّة ضدّ الفن الإسلامي، باعتباره فنًا غير متمرد"، وتؤكد أن المعرض يقدم "فرصة فريدة لمعرفة المزيد عن فن الحضارة الإسلامية. وجدير بالذكر أن الصحيفة العريقة، قد خصصت على موقعها الرسمي مساحة لـ "معرض افتراضي" عن هذه التظاهرة الفنية، حيث عرضت أهم اللقى التي أثارت اهتمام النقاد الفنيين والدارسين للثقافة العربية والإسلامية.

اقرأ أيضاً: ليوناردو.. العبقري الخالد

أبرز التحف

أبرز التحف هي تلك التي زينت ملصق المعرض، و كذلك في المساحة الافتراضية التي خصصت لها على الموقع الرسمي لمتحف القصر الرئاسي، ومنها على سبيل المثال: إبريق ضخمٌ من البرونز مع فوّهة صنبور طويلة، على شكل فلتر مخرّم على طريقة الأرابيسك. وقد صُنع في شرق إيران، نهاية القرن الحادي عشر أو القرن الثاني عشر. وكذلك الإناء الزجاجي الملوّن، والمزين بنقش كبير من خط الثلث الذي كتبت به عبارة: "المجد لربنا الملك الحكيم". وتتشارك مصر وسورية في معرفة منبت هذا الإناء الزجاجي، لكن من المؤكد أنه صُنع في النصف الأوّل من القرن الرابع عشر. وثمة صينية منقوشة، كتب عليها في الوسط، وهي مصنوعة بإيران في القرن السادس عشر.
وتوجد قطعة من السيراميك مثمنة الشكل، من ضريح خواجا ربيع، في مشهد (شمال شرق ايران) من القرن السابع عشر.
تتضافر في أروقة المتحف الإيطالي لآلئ فنية شتّى، فمن الزجاج الأزرق المصنوع بتقنية النفخ القديمة الفارسية، إلى المنحوتات الغرانيتية من فن العمارة الإسلامية في المغرب الإسلامي، إلى النقوش وزخارف الأرابيسك المشرقي، كلّها بتقنياتها الباهرة الدقيقة، وموادها المختلفة والمتنوعة، تثري المكان الجميل، بنفحة من "فن الحضارة الإسلامية" الرفيع البديع.

قصّة البدايات

لكلّ مجموعة فنيّة من التحف عادةً قصّة، ولا تشذّ عن هذه القاعدة "مجموعة الصباح". وبدأت قصتها ذات يوم من شهر يوليو/ تموز سنة 1975؛ حيث حمل الشيخ ناصر الصباح الأحمد الصباح، عائدًا من إحدى سفرياته أوّل تحفة صغيرة، هديةً لزوجته الشيخة حصّة الصباح سالم الصباح.
كانت قطعة البداية تلك عبارة عن إناء زجاجي مطلي بالمينا، يعود إلى العصر المملوكي، ولا يُعرف – كما العادة – إن كان سوريًا أم مصريًا، إلا أن الأكيد أنه من القرن الرابع عشر.
الإناء الزجاجي المملوكي، كان فاتحة الشغف، كذا تمّ بناء المجموعة الفريدة من اللقى والتحف الفنية الرفيعة، لتبلغ أزيدَ من ثلاثمائة وخمسين ألف تمثّل فترات زمنية متعددة للحضارة الإسلامية العريقة. عشرها إذن (350)، سيراها زوّار المتحف. فتلك المجموعة المنتقاة سافرت من الخليج العربي صوب شواطئ المتوسط الإيطالية، لتحطّ في روما. وكانت بالأصل تُعرض بشكل دائم في المتحف الوطني في الكويت، وذلك منذ عام 1983.
مرّ بين تاريخ البداية واليوم، أربعون عامًا، فكان الاحتفاء بأربعين "مجموعة الصباح" هذه في روما. وقد صرّحت الشيخة حصّة للصحافة الإيطالية: "وأي مكان أفضل من روما من أجل معرضٍ مماثل؟".

اقرأ أيضاً: الحسناء الفرّونيّة

سياق صعب

ولا بدّ من القول إن تنظيم المعرض في روما حاضنة الفاتيكان (وقد سبق تنظيمه في ميلانو عام 2010) جاء في ظروف حسّاسة وبالغة الصعوبة، إذ إن الأخبار الواردة من بلاد العرب المسلمين، ليست إلا عن القتل والدم والتهديم، ومن جهة أخرى، تتسع يومًا بعد يوم ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في أوروبا، وبشكل خاص في بلدانها الأقرب إلى البلاد العربية.
وارتباطًا بهذا السياق التقى "ملحق الثقافة" بالباحث الإيطالي في التراث الإسلامي ماوريتسيو باغاتين، وسأله عن المعرضين، فقال: "لقد أتيحت لي فرصة زيارة المعرض في ميلانو عام 2010، وحتى ذلك الحين، لم يكن العالم الإسلامي يعيش وضعًا صعبًا كما هو حاله اليوم، إلا أن العالم الإسلامي للأسف كان وما يزال يتّسم بدرجة معينة من الشكّ والخوف وحتى الازدراء من قبل غربيين"، ويضيف: "يبدو لي أن مبادرة تنظيم حدث فني عن الحضارة الإسلامية في هذا التوقيت بالذات، تستحق الثناء. لقد أحببت كثيرًا القطع والتحف الفنية في المعرض، التي أعطت لمحة عن الفنّ الإسلامي، وإن بشكل جزئي".
ويسترسل باغاتين الذي يعمل أيضًا أستاذاً في اللغة العربية وآدابها في جامعة "برغامو" بميلانو، قائلًا: "لا ريب في أن إشراك شخصيات ومؤسسات من العالم الإسلامي في تنظيم معارض فنية يد فعك للذهاب إلى متحف "سكوديريي كويرينال"، وربما في تنظيم مناقشات عامة، يمكن أن تكون فرصة جيدة من أجل توضيح ضروري للأمور، والإجابة عن كثير من علامات الاستفهام التي تشغل بال الغربيين بسبب ما يروّجه الإعلام عن الإسلام".
وقبل أن يختم الأكاديمي باغاتين، حديثه لـ"ملحق الثقافة"، جدّد إعجابه الشديد بالمعرض، مبديًا تقديره الكبير للجهد الذي بذل في جمع لقى أثرية نادرة: "يقدّم المعرض مجموعة مختارة من التحف الفنية ذات القيمة الكبيرة، التي تعبّر عن مراحل من العصر الإسلامي والجاهلي أيضًا، وقد جُمعت بصبر وأناة على مدى عدة عقود.. الفن الإسلامي الذي تمثّله هذه التحف الفنية يشمل مناطق جغرافية متنوعة ضمن إطار زمني يحتضن إنتاجات عديدة من بينها السيراميك، والأواني الزجاجية المعدنية، والمجوهرات، والصناديق الخشبية، والأثاث، والديكور الداخلي والخارجي، والسجاد، وعمارة القصور والحدائق، وفن المخطوطات، والمنمنمات وخاصة فنّ الخط العربي، الذي تطور إلى أعلى مستوى بفضل أعراق مختلفة أي العرب والأتراك والفرس".
وكان الشيخ ناصر الصباح الأحمد الصباح، مؤسّس المجموعة، قد صرّح للصحافة الإيطالية: "هي مجموعة من التشكيلات تهدف إلى مغزى أعمق. إنها منطلق للتواصل، وخلق حوار ثقافي وجمالي. فهي تحف تحمل رصيدًا ثقافيًا. ولا زلت إلى اليوم مستمراً رفقة زوجتي في جمع التحف، التي أصبحت بمثابة الأبناء، لكن من دون أن نمتلكها".
وثمة ذكرى أليمة ترتبط بمجموعة الصباح، إذ تعرضت بعض قطعها للضياع أثناء الاجتياح العراقي للكويت عام 1990. وقد أوضح الشيخ ناصر قائلًا: "نحن راعون لهذه التحف التي قد تفسدها يد الإنسان. ونأمل أن تكون القطع الثماني والخمسون المفقودة من المجموعة الفنية ــ ثلاث زمردات ــ لم تفكك أو تُبَعْ، لئلا تضيع القصة التي تحملها. هناك قطعة فنية كتبت عليها آيات قرآنية، وتدمير هذه القطع الفنية القديمة، تدمير لتاريخنا وثقافتنا".
ووفقًا لرأي نخبة من الباحثين والنقاد الفنيين والإعلاميين الإيطاليين، فإن توقيت تنظيم معرض "فنّ الحضارة الإسلامية ـ مجموعة الصباح"، يكتسب أهمية كبرى نظرًا إلى الوقت العصيب الذي يعيشه المسلمون في أوروبا. وكان الرئيس الإيطالي
سيرجو ماتاريلا، أوّل زائري المعرض عند افتتاحه، وتلك إشارة سياسية وثقافية إلى الجالية المسلمة، من رئيس دولة تحتضن الفاتيكان.
المساهمون