تفاعلٌ كبيرٌ يشهده "تحدي دلو الماء المثلّج" منذ اجتياحه لمواقع التواصل الاجتماعي حول العالم خلال الأسابيع الماضية. الحملة التي توفي مطلقها كوري غريفين غرقاً، قبل نحو أسبوع، في ولاية ماساتشوستس الأميركية؛ لاقت نجاحاً وانتشاراً غير مسبوقين، فشارك فيها العديد من المشاهير والساسة إلى جانب مئات الآلاف حول العالم.
ورغم أنَّ التحدي يحمل رسالة إنسانيّة تهدف لجمع التبرعات لدعم مرضى "التصلب الجانبي الضموري"، وتشجيع البحوث التي تخص هذا المرض حول العالم، إلّا أنه تعرّض لانتقادات واسعة حول هذا الإسراف في الموارد، وإظهار النفْس بحجة عمل الخير.
الإقبال الكبير على دلو الماء المثلج جعل المتنافسين بيتكرون طرقاً جديدة تكاد لا تُحصى في هذا التحدي الذي لا يخلو من الاستعراض، فنشاهد طائرة مروحية تسكب دلو الماء على شاب في قمم الجبال الباردة، فيما ابتكر مؤسس "مايكروسفت" بيل غيتس في مقطع فيديو استعراضي -حظي بأكثر من 15 مليون مشاهدة خلال الأيام الماضية- تصميمياً فيه الكثير من المبالغة، قبل أن يدعو أصدقاؤه لخوض غمار التحدي.
لكن ما إن وصلت هذه الحُمّى إلى بلادنا العربية التي تضج بالدمار والحروب والاعتداءات الاستعمارية، حتى وجدت تفاعلاً كبيراً على الصعيد الشعبي، إضافة لمشاركة عدداً لا بأس به من النجوم والمشاهير العرب. وهو ما شكّل بعد فترة وجيزة استفزازاً للمتصفّح العربي الذي يتفقّد عدد الشهداء والضحايا قبل النوم وبعده.
هذا التضامن الـ"كول" استحدثَ أشكالاً أُخرى للدلو تحمل خطاباً ومواقف لا تقل عن التضامن مع مرضى التصلّب الجانبي الضموري، بل إنها تبدو أكثر تأثيراً على المُتلقي؛ سكب دلو فارغ للتذكير بسرقة المستوطنين الصهاينة للمياه، ودلو التراب من غزّة للتذكير بمعاناة أهالي القطاع التي يعرف العالم أنهم يعيشون تحت رحمة صواريخ الأباتشي والقنابل الثقيلة.
هذه الدلاء الجديدة تشهد تفاعلاً وانتشاراً لا بأس به منذ الأيام الأولى لإطلاقها، ولا شكّ أنّها ستجتاح العالم في الأيام القليلة القادمة في ظل التضامن العالمي غير المسبوق مع الفلسطينيين خلال العدوان الحالي على غزّة، وستحرج عدداً كبيراً ممن ورطوا أنفسهم بدلو الماء المثلج، فالنُسخ المستحدثة التي تبدو أكثر جديّة لا تطلب تبرعات وليس فيها ذلك القدر من "المُتعة" التي تتركها على المشاهد وصاحب التجربة، فالأثر الذي يُخلِّفه التراب أو الركام لا يشبه أبداً المياه الباردة.
ومن الإضافات الطريفة على هذا الدلو قيام أحد المستوطنين الذي يعيش في منطقة غلاف غزة بسكب حمولة جرّافة من البراز على رأسه، في رسالة لنتنياهو على ما قال إنه انعدام الأمن ووقوعهم تحت رحمة حركة حماس وتعليماتها.
إذاً ها هي مواقع التواصل الاجتماعي تورطنا في حرب وهمية جديدة، ربما بعد فترة وجيزة لن يكون كافياً أن نكتب "ستاتوس" أو نطلق "هاشتاغ" لنظهر تضامننا أو تعاطفنا مع قضيّة ما، فقد بات علينا أن "نعيش" جزءاً من "التجربة"، نتورّط ونورّط آخرين لنثبت إنسانيتنا، فأي دلوٍ ينتظرنا وما هو المونولوغ المناسب للعرض القادم؟