03 نوفمبر 2024
ما الذي ستدفعه إسرائيل ثمناً للقدس؟
أوفى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بوعده الذي قطعه على نفسه في أثناء حملته الانتخابية، وقرر نقل مقر سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، ما يعني اعترافاً أميركياً، رسمياً وعملياً، بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقد جاء إعلان الرئيس ترامب متأخراً سبعة عشر عاماً، إذا ما احتسبناه تنفيذاً لقرار تشريعي صدر عن الكونغرس الأميركي قبل 22 عاماً يعترف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ويحدد تاريخ نقل السفارة إليها في شهر مايو/ أيار 1999، بمعنى أن السلطات التشريعية الأميركية اعترفت بالقدس عاصمةً إسرائيلية غير مقسمة من حينها، مع إبقاء إمكانية لدى الرئيس الأميركي بإرجاء هذا القرار الذي وضع له الكونغرس الرقم 1322S، وبقي التنفيذ ورقةً سياسيةً يضغط بها رؤساء أميركا على الجانب الإسرائيلي. والآن، وبشكل شبه مباغت، أفلتها ترامب من يده ليتفرغ لامتصاص ردة الفعل التي بدأت عنيفةً وواعدة ومرشحة للتزايد.
من غير المستبعد أن يكون ترامب قد ناقش الأمر مع الدولة المعنية بأكبر ردة فعل، وهي السعودية، وربما اشتركت الأردن ودول إسلامية في عملية التشاور، ومن غير المتوقع أن يكون أحدٌ قد وافق على قرارٍ من هذا النوع، لكن ردات الفعل يمكن قياسها بجهاز فعال استخدمه ترامب، فسرّب إلى وسائل الإعلام تاريخ إذاعة القرار يوم الأربعاء في السادس من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ولم يلقَ ما يثير القلق، فأعلن قراره في اليوم المحدّد بكل هدوء، وهو أمر تهرب منه الرؤساء بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، علماً أن كل هؤلاء أفصحوا عن رغباتهم، بطريقة أو بأخرى، بنقل السفارة إلى القدس، لكن ترامب وحده من فعل ذلك.
أعطى قرار تقسيم فلسطين عام 1947 العربَ 53%، وأعطى اليهود 47% من مجمل مساحة فلسطين، ولا توجد في حاشيته كلمة "دولة إسرائيل" على الإطلاق، بل سمّى العرب واليهود الشعبين الفلسطينيين، ومن حينها والولايات المتحدة منشغلة بالقضية الفلسطينية بما لا يعكر مزاج الدولة العبرية، ولطالما استخدمت حق النقض (الفيتو) لصالح إسرائيل في مجلس الأمن، وقد كانت، في الوقت نفسه، من أكثر الدول طرحاً لمبادرات السلام، وكان لكل رئيس أو وزير خارجية أميريكي مبعوث خاص للسلام في الشرق الأوسط، وما زالت الذاكرة السياسية المحلية تتذكر أسماء كثيرين منهم. لم ينتج عن الجهد الأميركي الكثير، على الرغم من معاهدة كامب ديفيد، ومؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو، وكانت الانتكاسات التي تصيب القضية الفلسطينية متلاحقةً ومدمرةً، وقرار ترامب هذا يأتي في آخر تلك الانتكاسات.
سبقت قرار ترامب حملة علاقات عامة، وإلقاء بالونات اختبار قادها جاريد كوشنر صهر ترامب، تحرّك فيها في بعض العواصم، والتقى كلاً من الرئيس الفلسطيني، أبو مازن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فضلاً عن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وقبل أن يتسرّب شيء عملي وواضح عن هذه اللقاءات وخطة التحرك، أعلن ترامب اعترافه بالقدس عاصمة إسرائيل، وهي دَفعة سياسية مقدّمة يدفعها ترامب لنتنياهو، وتعتبر بموجب الغضب العربي العارم والفرحة الإسرائيلية الكبيرة شيئاً ضخماً، من المتوقع، أو يتوقع ترامب، تلقي ما يكافئه من الطرف الإسرائيلي. لعله يتوقع "تنازلاتٍ كبيرة" من نتنياهو في عملية السلام، خصوصاً ما يتعلق منها بالمستوطنات، ولكن حتى لو قدّمت إسرائيل تلك التنازلات، فقيمة القدس كبيرة جداً، وقد يصعب على أبو مازن ابتلاع مثل هذه الخسارة.
على الرغم من ذلك، وبالنظر إلى موقف نتنياهو من قضية الفساد التي يواجهها، وموقف ترامب من قضية التخابر مع روسيا في الانتخابات، وموقف أبو مازن أمام حركة حماس، يمكن أن نعتبر أن التنازل عن القدس لتصبح عاصمة لإسرائيل قد وقع، وإن علينا منذ الآن توقع الضربة التالية، فيما يخص القضية الفلسطينية، إلا إذا كان للشارع العربي الغاضب تأثيرٌ نافذ.
من غير المستبعد أن يكون ترامب قد ناقش الأمر مع الدولة المعنية بأكبر ردة فعل، وهي السعودية، وربما اشتركت الأردن ودول إسلامية في عملية التشاور، ومن غير المتوقع أن يكون أحدٌ قد وافق على قرارٍ من هذا النوع، لكن ردات الفعل يمكن قياسها بجهاز فعال استخدمه ترامب، فسرّب إلى وسائل الإعلام تاريخ إذاعة القرار يوم الأربعاء في السادس من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، ولم يلقَ ما يثير القلق، فأعلن قراره في اليوم المحدّد بكل هدوء، وهو أمر تهرب منه الرؤساء بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، علماً أن كل هؤلاء أفصحوا عن رغباتهم، بطريقة أو بأخرى، بنقل السفارة إلى القدس، لكن ترامب وحده من فعل ذلك.
أعطى قرار تقسيم فلسطين عام 1947 العربَ 53%، وأعطى اليهود 47% من مجمل مساحة فلسطين، ولا توجد في حاشيته كلمة "دولة إسرائيل" على الإطلاق، بل سمّى العرب واليهود الشعبين الفلسطينيين، ومن حينها والولايات المتحدة منشغلة بالقضية الفلسطينية بما لا يعكر مزاج الدولة العبرية، ولطالما استخدمت حق النقض (الفيتو) لصالح إسرائيل في مجلس الأمن، وقد كانت، في الوقت نفسه، من أكثر الدول طرحاً لمبادرات السلام، وكان لكل رئيس أو وزير خارجية أميريكي مبعوث خاص للسلام في الشرق الأوسط، وما زالت الذاكرة السياسية المحلية تتذكر أسماء كثيرين منهم. لم ينتج عن الجهد الأميركي الكثير، على الرغم من معاهدة كامب ديفيد، ومؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو، وكانت الانتكاسات التي تصيب القضية الفلسطينية متلاحقةً ومدمرةً، وقرار ترامب هذا يأتي في آخر تلك الانتكاسات.
سبقت قرار ترامب حملة علاقات عامة، وإلقاء بالونات اختبار قادها جاريد كوشنر صهر ترامب، تحرّك فيها في بعض العواصم، والتقى كلاً من الرئيس الفلسطيني، أبو مازن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فضلاً عن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. وقبل أن يتسرّب شيء عملي وواضح عن هذه اللقاءات وخطة التحرك، أعلن ترامب اعترافه بالقدس عاصمة إسرائيل، وهي دَفعة سياسية مقدّمة يدفعها ترامب لنتنياهو، وتعتبر بموجب الغضب العربي العارم والفرحة الإسرائيلية الكبيرة شيئاً ضخماً، من المتوقع، أو يتوقع ترامب، تلقي ما يكافئه من الطرف الإسرائيلي. لعله يتوقع "تنازلاتٍ كبيرة" من نتنياهو في عملية السلام، خصوصاً ما يتعلق منها بالمستوطنات، ولكن حتى لو قدّمت إسرائيل تلك التنازلات، فقيمة القدس كبيرة جداً، وقد يصعب على أبو مازن ابتلاع مثل هذه الخسارة.
على الرغم من ذلك، وبالنظر إلى موقف نتنياهو من قضية الفساد التي يواجهها، وموقف ترامب من قضية التخابر مع روسيا في الانتخابات، وموقف أبو مازن أمام حركة حماس، يمكن أن نعتبر أن التنازل عن القدس لتصبح عاصمة لإسرائيل قد وقع، وإن علينا منذ الآن توقع الضربة التالية، فيما يخص القضية الفلسطينية، إلا إذا كان للشارع العربي الغاضب تأثيرٌ نافذ.