مَن يوقف نتنياهو؟
أُنشئ حزب الله ليكون جزءاً من الاستراتيجية الإيرانية في إيجاد مناخ إقليمي ملائم للفكر الجديد المواكب لنجاح الثورة الإسلامية على الشاه، وأسهم الوجود السوري القوي في لبنان خلال الحرب الأهلية بنجاح مشروع تشكيل حزب الله، وإبقائه متمترساً مع أسلحته بعد نهاية الحرب، تحت عناوين المقاومة. وحتى بعد أن خرجت إسرائيل من لبنان عام 2000 بقي نفوذ حزب الله واسعاً ومؤثراً، ودأبت إيران على تكديس السلاح في مستودعات الحزب، من طريق سورية بشكل أساسي. وتحت هذه العناوين، تشكل محور المقاومة الذي أنشأ خطّاً عسكرياً قوياً في وجه إسرائيل، ولكنه أوجد عدة خطوط موازية نحو الجبهة الداخلية. وكان تدخل حزب الله السياسي في لبنان حاسماً، فقد ساهم في تعطيل الوزارات، وبقي كرسي الرئاسة شاغراً فترات طويلة نتيجة هذا التدخّل. لم تكن الجبهة الداخلية المناوئة لحزب الله بالقوة الكافية لإجباره على التراجع، حتى بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005.
حرص حزب الله على إبقاء نقاط توتر مع إسرائيل، تضيق وتتسع مع الاحتفاظ بـ"قواعد اشتباك" عامة يلتزم بها، ولكن هذه القواعد لم تمنع حرب تموز عام 2006، فقد شنّت إسرائيل هجوماً كبيراً على لبنان، بعد أن نفذ عناصر الحزب عملية عسكرية قتلوا وخَطفوا فيها جنوداً إسرائيليين، وأدى شهر من القتال العنيف بين الطرفين إلى تدمير بنية لبنان التحتية وإلحاق أذى كبيرٍ بسلاح حزب الله الذي وجد نفسه مرغماً على القبول بوقف لإطلاق النار بقرار مجلس الأمن 1701، الذي ينص على تراجع الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني، وتسليم جنوب لبنان للجيش اللبناني النظامي. اعتبرت إسرائيل القرار خروجاً سياسياً ملائماً من الحرب، تؤمّن فيه مستوطناتها في الشمال. ومع أن الحزب لم ينفذ القرار، إلا أنه حافظ على هدوء في التعامل مع إسرائيل، من دون أن يبطئ في عملية التسلح التي كانت تجري بلا توقف، كذلك زادت سيطرته على السياسة الداخلية للبنان.
بعد طوفان السابع من أكتوبر في العام الماضي، استفاقت إسرائيل على أكثر من ألف قتيل. ورغم استشعارها خطر حركة حماس، إلا أن أنظارها توجهت نحو الخصم الأكثر قوة في الشمال، فهجوم مماثل قد يقوم به حزب الله سيجرّ نتيجة أكثر كارثية على إسرائيل، وبدأت الحرب الضارية في غزّة تحت شعار التخلّص النهائي من "حماس"، وإسرائيل تضع في اعتبارها أن التخلّص من "حماس" لا يعني الخلاص من المأزق، وأن حزب الله هدف أساسي. وأشار نتنياهو إلى ذلك أكثر من مرّة. أطلق حزب الله قذائف نحو الشمال الإسرائيلي في سياق ما سمّيت وحدة الساحات، فكان الرد الإسرائيلي أكثر قوة وشمولاً، وتمسّك نتنياهو برفضه وقف إطلاق النار وصعّد الهجوم، وأخرج ما كان يخبّئه لما اعتبره اللحظة المناسبة، فنفذت المخابرات الإسرائيلية مفاجأة كبرى بتفجير أجهزة النداء، وبعدها قام الجيش الإسرائيلي بسلسلة من العمليات التي طاولت قيادات الصف الأول من حزب الله، وشملت أمينه العام، حسن نصر الله.
الواضح أن إسرائيل لم تعد مهتمة بالقرار الأممي 1701، وتبدو راغبة في توضيب جغرافيا المنطقة، وقد نال حزب الله بالفعل ضرباتٍ مؤلمة، وتبدو المرحلة التالية قد بدأت عملياً بتنفيذ هجوم شبه يومي على مواقع الحزب وتحصيناته، مترافقة مع اختراقات برّية محدّدة المواضع بهدف جمع المعلومات لما يبدو أنه هجوم أكثر اتساعاً، الهدف النهائي منه إبعاد "ما يتبقى" من حزب الله، وحاضنته، بالقوة إلى خلف الليطاني، وتجفيف المنبع الذي يتزوّد منه الحزب من إيران، بإتمام تحييد سورية الذي يبدو وشيكاً، وتدمير كوريدور مرور الأسلحة عبر العراق، وهي عملية تراها إسرائيل ممكنة، وستستكملها بعد أن تقرّر نوعية الأهداف التي ستدمّرها في إيران بمساعدة أميركا التي لا يتوقف مسؤولوها عن وصف إيران وحلفائها بمحور الشر.