أهمية بنسلفانيا في الانتخابات الأميركية
في الأيام الأخيرة قبل فتح صناديق الاقتراع لانتخابات الرئاسة الأميركية وبدء الفرز، تتحوّل المعركة السياسية الشرسة إلى مجرّد لعبة احتمالية تعتمد على البيانات الإحصائية. عراقة انتخابات الرئاسة راكمت حصيلة بيانات واسعة تمكّن المهتم من تحليلها بحسب النماذج الاحتمالية والتنبؤ باسم الفائز مع هامش خطأ محسوب. وإذا أضفنا إجراءات السبر التي تقوم بها القنوات التلفزيونية أو الصحف الكبرى وبعض المعاهد المختصة والحملات الانتخابية للمرشحين، يصبح الأمر أكثر واقعيةً، وقد اكتسى قالباً علمياً يستند إلى ما سبق من نتائج واستقراءات آنية، وبناءً على التاريخ الانتخابي للرئاسات الأميركية وبيانات الرأي التي تقام على مدار الساعة، تمكّن الخبراء من بناء نموذج عملي لمعرفة هوية الرئيس القادم. يقول هذا النموذج إن كامالا هاريس وضعت في جيبها 226 صوتاً انتخابياً، واستطاع ترامب أن يضمن كذلك 219 صوتاً، من مجموع الأصوات الانتخابية البالغ 538 صوتاً، في حين أن الفائز يلزمه تأمين 270 صوتاً ليتمكن من احتلال البيت الأبيض. ويتعلق الأمر بـ75 مقعداً متأرجحة ما بين المرشّحين، وموزّعة بشكل غير متساوٍ على سبع ولايات. لم تكن استطلاعات الرأي ولا التاريخ السابق يضعها في جانب هذا المرشّح أو ذاك، والاستطلاعات لا تفضّل مرشّحاً على آخر بأكثر من 1% إلى 2%، وهي نسبة تقع ضمن هامش الخطأ، لذلك من الصعب اعتبارها في جيب أحد المرشّحين.
لم تصدُق استطلاعات الرأي على الدوام، فقد فشلت في 2016، ومع ترامب ذاته عندما واجه هيلاري كلينتون، حين أشارت إلى أن الفوز لها، ليخترق ترامب كل تلك التوقّعات، ورغم أن هامش فوزه في بعض الولايات كان قليلاً جدّاً، لكنه كافٍ ليتبوأ البيت الأبيض أربع سنوات. تكرر الأمر في انتخابات 2020، ولكن الولايات التي قدّمت هامشاً بسيطاً إلى ترامب، منحت هامشها هذه المرّة لبايدن. وفي انتخابات اليوم تتوجه الأنظار إلى الولايات نفسها ذات الهوامش البسيطة، فالفوز بها يعني الكسب النهائي في الانتخابات. لذلك يحاول المرشّحان التنقل بين هذه الولايات لجمع أصوات اللحظات الأخيرة، ففي النهاية، مصير المرشّحين معلق بيد بضعة آلاف يعيشون في هذه الولايات التي تسمّى متأرجحة. ويمكن أن تكون بنسلفانيا اليوم الولاية الأهم، وهي تمتلك وحدها 19 صوتاً، ويشهد تاريخها خلال الانتخابات السابقة مع ترامب وبايدن أنها وقفت في المرّة الأولى مع ترامب، لتنقلب عليه في المرّة التالية لصالح بايدن، وهذه المرّة أيضاً تبدو هذه الولاية بيضة القبان.
احتاجت بنسلفانيا أربعة أيام لتحسم أمرها في انتخابات 2020، وتقول إن المرشّح الفائز فيها هو بايدن، وبفارق أقل من 1.5%، وفي الانتخابات التي سبقتها عام 2016 فاز ترامب على منافسته بفارق أقل من 1%. وبالنظر إلى هذا التقارب الشديد والتأرجح الأشد، أنفق المرشّحان وقتاً طويلاً على هذه الولاية، ففيها ارتدى ترامب يونيفورم مطاعم ماكدونالد، على أمل أن يكرّر ما فعله في 2016 ضد كلينتون، وفيها أيضاً تعرّض ترامب لإحدى محاولتي اغتياله، في يوليو/ تموز الماضي.
بعودة إلى التاريخ الانتخابي لولاية بنسلفانيا، نجدها صوّتت للديمقراطيين منذ عهد بيل كلينتون في انتخابات 1992، وظلت تصوّت لهم حتى انتخابات عام 2016، حين صوتت لترامب وبهامش قليل، لتعود إلى سيرتها الديمقراطية، ولكن هذا التاريخ لا يعني شيئاً، وعلى هاريس أن تقلق بالفعل، حتى وإن كانت الولاية تحتوي على كثافة لاتينية، فاستطلاعات الرأي تعطي تقدّماً لترامب.
رغم أن الحدث سياسي خالص، لا بد من الغرق في تفاصيله الإحصائية، وقد حسم ناخبون كثيرون رأيهم، ولم يبق إلا حفنة من الأصوات ستحدد الفائز، وعلى المرشح أن يبحث عنها، أو حتى يستجديها.