ماذا لديه بعد التسريبات؟
إذا كانت تسريبات عبد الفتاح السيسي مجرد نهاية للعبة، فماذا لديه بعدها في الماضي، وقبل الفضائيات وثورة المعلومات وسرعة تناقلها. كنا نستمع إلى مثل هذه التسريبات، وبشكل شائعات تنطلق بين الناس الذين يستقبلونها بقناعة، وتتناقل بينهم بسلاسة، وكمن يطلب منهم أن يخزنوها ضمن معارفهم الحياتية من دون اكتراث لمصدرها، ومنها، مثلاً، ما كنا نسمعه منذ الطفولة بشكل نبوءات لعرّافين مجهولي الهوية أن اليمن سوف يحكمه رجل عظيم، يسمى أحمد، وفي عهده سيكون اليمن في القمر والمواطن تحت التراب. وقبل أن يكتشف الشعب اليمني من يكون هذا، كانوا يفكرون في مصادر ما يتناقل بين الناس، ويكاد يتحول حقيقة مطلقة، لا يجدونه بسهولة، وبحلة جديدة تعود الشائعات إلى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وتبدأ بتسجيل يتم تمريره إلى الواهمين من الشعب، كرسالة خارجة عن الإرادة، يخبرهم بضرورة ربط الأحزمة على بطونهم، وبالاعتماد على أنفسهم.
وإذا لم يجد هذا الرجل بإمكاناته سوى هيبة الزعامة، يا ترى، لماذا أطلق للعالم ولشعبه الضحوك صفارة الدعابة، وبهمسة من همساته الشهيرة، يقول لهم إن الخليجيين يمتلكون أموالاً طائلة، ألم يعلم الرجل من يحميها لهم، إذا كان يحاول المساومة عليها.
وبهذا الإخفاق، يعيدنا السيسي إلى همساته الأولى، والتي كان يوحي بها للشعب، وبالخير الكبير القادم لمصر على يديه، إلى درجة كانوا مناصرين لانقلابه ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر، ولشدة شغفهم بفترة النقاهة، فكان مصريون كثيرون يطالبون بإنهاء روتين الانتخابات، حتى يتسلم المبروك السلطة. ولا ندري ماذا ستكون الأمور إذا طالت هذه الإخفاقات في عهده.
لأن بطلهم تسلم السلطة، وهو لا يملك في حساباته سوى المساعدات والعوائد الضريبية التي لا تكفي لغير مكافحة الإرهاب، والذي جاءه كهدية، جعلته يتهرب من مسؤولياته الوطنية، بعدما اغتصب السلطة، وزُينت لكرسيه أحلام من دون خارطة تنقل مصر، بقيادته، إلى حقبة أخرى.
المستبشرون فيه خيراً ولم يكن معهم في تصديقه حق، حين كان يهمس بحنو، ويكثر من التلميحات المطمئنة، وبأنه يرتقي إلى أقوى الاقتصاديات العربية، ولم ينقصهم وينقصه سوى الإصغاء، حين يخبرهم بالأرقام السرية لخزائن في حوزته محفوظة، وربما يكون فعلها سراً، وإلا ما زغردت النساء، ورقصت للانقلاب الفاتنات، وقرعت الكؤوس الطويلة، لأنه لا يعقل أن يكون أولئك فعلوها لعجز متوقع، ويتحفظ كثيرون في آرائهم من هول ما رأوا منهم، ووجدوا من الكتاب الذين توقعوا أن في وسع الديكتاتور تثبيت الأمن، وخفض التضخم وتقليص البطالة، فإذا قلنا إنهم كانوا مستندين بشكوكهم إلى دكتاتورية ستالين، صانع روسيا العظمى. أما تصريحات السيسي الهادئة والميالة إلى الثقة، فأعتقد أنها لم تكن أكثر من دغدغة لعاطفة الشعب المصري، وبالطريقة الأميركية، والتي لا يجيدها العسكريون العرب، حتى يفعلها السيسي بجدارة، وهو لم ينخرط في صفوف الشعب مدنياً، لسنوات عديدة، حتى يكتسب من روح المدنية شيئاً يساعده على صناعة الديمقراطية.
وفي اليمن، يخشى اليمنيون على بلدهم من حرب محتملة، ويتحقق حلم لصغيرتي، رأته، ذات ليلة مشؤومة، أن صاروخاً يعترض آخر في سماء البلاد، وينبثق من تصادمهما دخان كثيف. وبهذا الحلم، لا نعلم، هل ينتهي مشوار لثورات قتيلة، إذا كنا ما نزال لا ندري إلى متى تبقى الشعوب تستمع إلى ساسة بسياساتهم المكشوفة، يزيدون الطين بلة.