17 ديسمبر 2017
اليمن.. أي نظام مقبل؟
سعيد النظامي (اليمن)
بدأ التحالف العربي، في الثانية صباحا من يوم 26-3-2015، بقيادة السعودية، أولى ضرباته العسكرية على اليمن، واستيقظ الشعب اليمني فزعا مبهوتا، ينظر للسماء، ويستمع لهدير الطائرات بغرابة. مرت عليه لحظات الغيبوبة، وهو يفكر ليجد نفسه لا يستنكر العدوان، بل مرحبا به، فقد اكتشف، بين عشية وضحاها، أن بلده سقطت بمخالب المد الفارسي بدون جيش، وأن الدول العربية التي أحكمت تطويقه هي المنقذ.
جاء المساء، وبينما بعض من نساء اليمن ينقشن على أكفهن عبارة "اضرب يا سلمان"، بصبغة الحناء، طلع، على الهواء مباشرة، المتحدث العسكري باسم التحالف العربي، من غرفة شبيهة بغرفة عمليات البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية). والفارق بينهما أن في خريطة المتحدّث الأميريكي محيطات وقارات، وخيط يبدو كأنه يخنق العالم. وخريطة متحدث التحالف العربي، اللواء أحمد عسيري، لا يوجد في وسطها غير نقطة صغيرة، تعني دولة اليمن عموما.
لا علينا، هذه أسرار عسكرية، استمع اليمنيون للمتحدث بكل امتنان وتركيز. وبعد أن أثنى على العاهل السعودي، وبشر اليمنيين بأن الأخير هو من أطلق مسمى "عاصفة الحزم"، واقتبسه من شعر لوالده الملك عبدالعزيز، انتظر اليمنيون حتى انتهى المتحدث من سرد رائعة محارب الصحراء، واستمع للأهم، ولمدة الحملة التي حدّدت من أسبوعين إلى ثلاثة شهور.
عاش اليمنيون خلف الشاشات حتى نهاية المدة، وظهر المتحدّث في موعده على شاشات التلفزة، معلنا انتهاء "عاصفة الحزم"، وأعلن عن عاصفةٍ أخرى، بمسمى اقتبسه من أشعار مسلمة بن حبيب. ومضت الشهور تتلوها أشهر. واكتمل العام الأول، ومازال أمد الحرب يطول، وأمورها تزداد غموضا وتعقيدا، وكأن التحالف من يصنع أحداثها، لا يحلل عقدها. ولو أن المتحدث باسم التحالف ربما انتبه إلى حجم الفارق بين خريطته وخريطة "البنتاغون" لما اختفى عن المشهد من دون أن يطلع اليمنيين عن سبب حنثه الوعد. وها هي حملة التحالف العربي، بقيادة السعودية، تنهي عامها الثالث في اليمن، ولم تنه مهامها بعد. وها هو الشعب اليمني ضاق إلى درجة الاختناق من هذه الحرب العبثية التي بلغت أضرارها حد اللامعقول، دولة دمرت شعبا تشرّد مساكن تدك من الارض والسماء، آثار الأمة تسرق، معالم الحضارة تتشوه، وعالم يتفرج لدموع تذرف.
بدأت تُسمع بين شباب اليمن، ولأول مرة، حوارات بينهم، قلما تفسر أنها تعبر عن آرائهم من واقع بلدهم، وترمي لرغباتهم وتهمس لمستقبلهم، وتلمز نحو تجهيزات واستعداد العودة إلى إكمال ثوراتهم، وإن حوارهم مايزال على نطاقٍ ضيق، كأنه همس. لا يحملون مخططا يقنع المعارضين الذين لا يملكون إجابة لأسباب الرفض. ولكنه، ومهما يكن، يظل بذرة لمشروع يبشر بخير قادم على أيدي شبابٍ بدأوا يخرجون من دائرة الضوء، كلما نظروا إلى حالتهم في وطنهم، وبدأوا يتنصلون من انتماءاتهم الحزبية، كلما فتح النقاش الوطني. وإلى وقت قريب، لكم يكن يجري نقاش فيما بينهم خارج مظلة الحزب. ومن علامات الغيث أن لدى هؤلاء الشباب نيات أن يركبوا الموجة في الوقت المناسب، بالطريقة نفسها التي ركبها أزلام النظام السابق، ويخلصوا اليمن من بؤرة الفتن. ولكن هل يعلمون كم بؤرة لديهم، وكم نسبة نجاحهم، والبلد تحول مستودع سلاح. ومن يستمع لأي من أطروحاتهم لا يجد تفسيرا لكيفية لعب أولئك الشباب لاحقا على النهائي، كما يقولون في مخطط أفكارهم، ويستبقون به الأحداث: هل بعزيمتهم فقط سيوجدون لكل المصاعب حلولا؟
وإذا لم يكن اليأس قد بلغ عقول الشباب اليمني مبلغ البحث على الانتحار، وقلنا إنهم محقّون حين يفكرون ويفكرون، وبعدة طرق، يجمعون الأفكار، بأي فكرة سوف يسدد رميته ذاك الشاب الأعزل من الـتأييد والسلاح؟ وكيف سوف يسمحون لهؤلاء الشباب المتحمس والمتداري على الأنظار، يخطط ويجمع الأنصار لاستعادة الدولة ممن يسمون أنفسهم الشرعية، وإن افترضنا اعتماد هؤلاء الشباب بمخططهم على عنصر الإنهاك والتصفية الجارية ما بين كبار لصوص الداخل، ونظرائهم ممن خرجوا من صنعاء أوغادا. وها هم عادوا من الوديعة فاتحين الأرض. ويبقى السؤال الأصعب، حيث المعضلة في توقع الإجابة: هل سوف تسمح لهم السعودية أن يتسلموا سلطة بلدهم بضربة الترجيح الذي ينتظرونها بفارغ الصبر، وهي خلال الثلاث السنوات فقط من أوصلت المخالفة المرورية إلى ستة آلاف ريال، وكبدت المقيم على أرضها أعباء المواطن الذي أقلهم مديونة مخالفاته خمسة آلاف ريال، ورفعت أسعار السلع والوقود لأجل الحرب، ثم رفعت ضعفا آخر لأجل البقاء. ثم جمعت رجال أعمال مع ميسورين، وأودعتهم السجن، وعلى من أراد الخروج أن ينتفض، فربما يبقى في حوزته فلس لم يسقط، وفتحت ملفا أسود، يجاوره صندوق أبيض يدعو حتى اللص إلى قبره ليطلع منه لتبرئة ذمته من مال الدولة ثم يعود، وعلى الرغم من كل ما جمع لأجل تغطية تكاليف حربها مع إيران في اليمن.
بعد الانتهاء من الحرب، أي دولة تريد المملكة أن تقوم بجوارها، دولة يقودها رموز الفساد الذين صبغتهم بصبغة المقاومة الوطنية، وهي تعلم علم اليقين أن نصف الأسلحة التي تسلمها لهم يبيعوها للخصم. أو تريد بعد ذلك دولةً بجوارها حقيقية؟ كيف وهي تعلم أنه لا وجود يذكر لهذه الدولة بغير شبابها، وإن ليس هذا كل ما تريد؟ هل سوف تبقى في اليمن، حتى الانتهاء من إعادة النظام السابق بنسخة أخرى، ومن اقترب منهم سوف ينال ويلها المؤكد. ولكن، أليس بهذا تضع احتمال عودة إيران يوما إلى اليمن؟
جاء المساء، وبينما بعض من نساء اليمن ينقشن على أكفهن عبارة "اضرب يا سلمان"، بصبغة الحناء، طلع، على الهواء مباشرة، المتحدث العسكري باسم التحالف العربي، من غرفة شبيهة بغرفة عمليات البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية). والفارق بينهما أن في خريطة المتحدّث الأميريكي محيطات وقارات، وخيط يبدو كأنه يخنق العالم. وخريطة متحدث التحالف العربي، اللواء أحمد عسيري، لا يوجد في وسطها غير نقطة صغيرة، تعني دولة اليمن عموما.
لا علينا، هذه أسرار عسكرية، استمع اليمنيون للمتحدث بكل امتنان وتركيز. وبعد أن أثنى على العاهل السعودي، وبشر اليمنيين بأن الأخير هو من أطلق مسمى "عاصفة الحزم"، واقتبسه من شعر لوالده الملك عبدالعزيز، انتظر اليمنيون حتى انتهى المتحدث من سرد رائعة محارب الصحراء، واستمع للأهم، ولمدة الحملة التي حدّدت من أسبوعين إلى ثلاثة شهور.
عاش اليمنيون خلف الشاشات حتى نهاية المدة، وظهر المتحدّث في موعده على شاشات التلفزة، معلنا انتهاء "عاصفة الحزم"، وأعلن عن عاصفةٍ أخرى، بمسمى اقتبسه من أشعار مسلمة بن حبيب. ومضت الشهور تتلوها أشهر. واكتمل العام الأول، ومازال أمد الحرب يطول، وأمورها تزداد غموضا وتعقيدا، وكأن التحالف من يصنع أحداثها، لا يحلل عقدها. ولو أن المتحدث باسم التحالف ربما انتبه إلى حجم الفارق بين خريطته وخريطة "البنتاغون" لما اختفى عن المشهد من دون أن يطلع اليمنيين عن سبب حنثه الوعد. وها هي حملة التحالف العربي، بقيادة السعودية، تنهي عامها الثالث في اليمن، ولم تنه مهامها بعد. وها هو الشعب اليمني ضاق إلى درجة الاختناق من هذه الحرب العبثية التي بلغت أضرارها حد اللامعقول، دولة دمرت شعبا تشرّد مساكن تدك من الارض والسماء، آثار الأمة تسرق، معالم الحضارة تتشوه، وعالم يتفرج لدموع تذرف.
بدأت تُسمع بين شباب اليمن، ولأول مرة، حوارات بينهم، قلما تفسر أنها تعبر عن آرائهم من واقع بلدهم، وترمي لرغباتهم وتهمس لمستقبلهم، وتلمز نحو تجهيزات واستعداد العودة إلى إكمال ثوراتهم، وإن حوارهم مايزال على نطاقٍ ضيق، كأنه همس. لا يحملون مخططا يقنع المعارضين الذين لا يملكون إجابة لأسباب الرفض. ولكنه، ومهما يكن، يظل بذرة لمشروع يبشر بخير قادم على أيدي شبابٍ بدأوا يخرجون من دائرة الضوء، كلما نظروا إلى حالتهم في وطنهم، وبدأوا يتنصلون من انتماءاتهم الحزبية، كلما فتح النقاش الوطني. وإلى وقت قريب، لكم يكن يجري نقاش فيما بينهم خارج مظلة الحزب. ومن علامات الغيث أن لدى هؤلاء الشباب نيات أن يركبوا الموجة في الوقت المناسب، بالطريقة نفسها التي ركبها أزلام النظام السابق، ويخلصوا اليمن من بؤرة الفتن. ولكن هل يعلمون كم بؤرة لديهم، وكم نسبة نجاحهم، والبلد تحول مستودع سلاح. ومن يستمع لأي من أطروحاتهم لا يجد تفسيرا لكيفية لعب أولئك الشباب لاحقا على النهائي، كما يقولون في مخطط أفكارهم، ويستبقون به الأحداث: هل بعزيمتهم فقط سيوجدون لكل المصاعب حلولا؟
وإذا لم يكن اليأس قد بلغ عقول الشباب اليمني مبلغ البحث على الانتحار، وقلنا إنهم محقّون حين يفكرون ويفكرون، وبعدة طرق، يجمعون الأفكار، بأي فكرة سوف يسدد رميته ذاك الشاب الأعزل من الـتأييد والسلاح؟ وكيف سوف يسمحون لهؤلاء الشباب المتحمس والمتداري على الأنظار، يخطط ويجمع الأنصار لاستعادة الدولة ممن يسمون أنفسهم الشرعية، وإن افترضنا اعتماد هؤلاء الشباب بمخططهم على عنصر الإنهاك والتصفية الجارية ما بين كبار لصوص الداخل، ونظرائهم ممن خرجوا من صنعاء أوغادا. وها هم عادوا من الوديعة فاتحين الأرض. ويبقى السؤال الأصعب، حيث المعضلة في توقع الإجابة: هل سوف تسمح لهم السعودية أن يتسلموا سلطة بلدهم بضربة الترجيح الذي ينتظرونها بفارغ الصبر، وهي خلال الثلاث السنوات فقط من أوصلت المخالفة المرورية إلى ستة آلاف ريال، وكبدت المقيم على أرضها أعباء المواطن الذي أقلهم مديونة مخالفاته خمسة آلاف ريال، ورفعت أسعار السلع والوقود لأجل الحرب، ثم رفعت ضعفا آخر لأجل البقاء. ثم جمعت رجال أعمال مع ميسورين، وأودعتهم السجن، وعلى من أراد الخروج أن ينتفض، فربما يبقى في حوزته فلس لم يسقط، وفتحت ملفا أسود، يجاوره صندوق أبيض يدعو حتى اللص إلى قبره ليطلع منه لتبرئة ذمته من مال الدولة ثم يعود، وعلى الرغم من كل ما جمع لأجل تغطية تكاليف حربها مع إيران في اليمن.
بعد الانتهاء من الحرب، أي دولة تريد المملكة أن تقوم بجوارها، دولة يقودها رموز الفساد الذين صبغتهم بصبغة المقاومة الوطنية، وهي تعلم علم اليقين أن نصف الأسلحة التي تسلمها لهم يبيعوها للخصم. أو تريد بعد ذلك دولةً بجوارها حقيقية؟ كيف وهي تعلم أنه لا وجود يذكر لهذه الدولة بغير شبابها، وإن ليس هذا كل ما تريد؟ هل سوف تبقى في اليمن، حتى الانتهاء من إعادة النظام السابق بنسخة أخرى، ومن اقترب منهم سوف ينال ويلها المؤكد. ولكن، أليس بهذا تضع احتمال عودة إيران يوما إلى اليمن؟
مقالات أخرى
31 اغسطس 2015
03 يوليو 2015
09 ابريل 2015