وُلد جورج حنين في القاهرة عام 1914 من أم إيطالية (ماريا زاينيلي) وأب مصري دبلوماسي (صادق حنين باشا) جهد طوال حياته لتوفير وضع مادي لائق لابنه، رغم أسفه لموقف الأخير الفضائحي على أكثر من صعيد. وفعلاً، كان حنين مناضلاً ثورياً راديكالياً داخل محيط قبطي تقليدي. ورغم نزعته الفوضوية وغير الامتثالية، وقع في حب ابنة نائب رئيس البرلمان المصري وحفيدة الشاعر أحمد شوقي، إقبال. ويقال إنه اعتنق الإسلام كي يتمكن من الزواج منها.
كاتب مُجادِل وشاعر قطيعة بامتياز؛ كان حنين شخصية ثورية في جميع الميادين، شارك مجتمع القاهرة والإسكندرية الكوزموبوليتي حبّه للغة الفرنسية الأنيقة، كما يشهد على ذلك أسلوبه الكتابي الرائع وامتلاء مكتبته بالأعمال الأدبية الفرنسية الكلاسيكية. لكن كلاسيكية حنين ارتكزت على استخدام فريد للغة رامبو، قال بشأنه: "أعمل بواسطة التخلّي. أتقدّم من خلال الحذف. أعتقد أن هذه الطريقة في الكتابة تسمح بانبثاق صورٍ صاعقة وحالات تفكّ قيود الكائن".
تلقى حنين باكراً "صفعة التربية الجيدة"، على حد قوله. إذ ترعرع في أكثر أحياء القاهرة أناقةً وعاشر محيطه الراقي. في التاسعة من عمره، تنقّل مع والده بين بروكسل ومدريد وروما، وفقاً لمهمات الأخير، ودرس في إيطاليا وفرنسا، قبل أن يلتحق في السادسة عشرة من عمره بكلية الحقوق في باريس. لكنه أنجز تعليمه في القاهرة ونال إجازتين، واحدة في الحقوق والأخرى في التاريخ.
في العام 1936، توظّف في "شركة المياه"، ثم عُيّن مديراً لشركة "جياناكليس باباستراتوس" في العام 1947. وبموازاة عمله هذا، نشط بين عامَي 1940 و1942 كمدير لمجلتين طليعيتين عربيتين: "التطور" و"المجلة الجديدة". وطوال فترة الخمسينات وبداية الستينات، كتب بشكل منتظم في صحيفتين فرانكفونيتين: "البورصة المصرية" و"التقدم المصري". وانطلاقاً من عام 1962، استقر في روما والتحق بفريق تحرير مجلة Jeune Afrique التي أصبح رئيس تحريرها في العام 1965. وفي نهاية 1967 انتقل إلى باريس وشغل مناصب تحريرية مختلفة في مجلة L'Express.
بدايات حنين الأدبية كانت داخل مجموعة Les Essayistes التي أحياها غابرييل بوكتور في القاهرة. ومشاركته اللافتة في مجلة المجموعة، "جهد"، جعلت منه كاتباً شهيراً في المحيط الفرانكفوني المصري منذ التاسعة عشرة من عمره. وحتى عام 1936، نشر في هذه المجلة نصوصاً مزاجية وأخرى إبداعية ومقالات نقدية حول الأدب أو السينما.
وانطلاقاً من عام 1936، تحوّل إلى كاتب مناضل في فرنسا إثر التحاقه بمجموعة "الهجوم المضاد" وتعاونه مع مجلة "المتواضعون" التروتسكية. وفي ذلك العام، وجّه رسالته الأولى إلى أندريه بروتون الذي أجابه قائلاً: "عفريت الإنحراف، كما يتكرّم بالظهور لي، يملك جناحاً هنا وجناحاً في مصر".
وفي نهاية 1939، شارك في تأسيس أسبوعية شاملة بعنوان "دون كيشوت" لعب فيها دور المحرر الأكثر شراسة، إلى جانب جهده في إطلاق ثورة شعرية وجمالية في بلده. وفي هذا السياق، أتت سلسلة المحاضرات التي ألقاها وحاول فيها تفسير ماهية الذهنية الشعرية الجديدة؛ السورّيالية.
الإصدار الأدبي الأول لحنين كان كوميديا مسرحية قصيرة بعنوان "تتمّة ونهاية" تتضمن مشهداً وحيداً نلتقي فيه بأشخاص يعانون من حضارتهم، بينهم المجنون وصاحب الدخل والرأسمالي والعاطل عن العمل والفوضوي والكاتب. نص مجازي صدر عام 1934 وطمح حنين فيه إلى تطهير البشرية من وسخها، تماماً مثل نص "مَشاهد من الحياة الراهنة" الذي نشره في مجلة "جهد".
وفي العام اللاحق، أصدر ديوان "تنبيه من القذارة" الذي وقّعه مع جوزيف حبشي ويتضمن رسائل وقصائد وأبحاث قصيرة. وفي هذه النصوص النارية المكتوبة على طريقة رامبو، سعى حنين إلى استفزاز الإنسان البورجوازي وفضح "العُهر الاجتماعي".
وفي العام 1938، أصدر في باريس كتاب "عبثية الوجود" الذي يتضمن نصاً نثرياً ورسالة وبضع قصائد تشهد على إعجابه الشديد بأندريه بروتون. ويتوافق هذا الإصدار مع تأسيسه حركة "فن وحرية" وخطّه بيان "يحيا الفن المنحطّ" الذي يتناغم مضمونه مع أفكار البيان الذي وقّعه بروتون في العام ذاته مع تروتسكي في مكسيكو. ورغم عدم توفّر ردود فعل مكتوبة حول هذه الإصدارات، لكن الأكيد هو أن "حنين" صدم مثقّفي جيله الذين كانوا يجترّون أفكاراً مستهلكة ولائقة ثقافياً.
وخلال الحرب، مارس الشاعر كتابة صحفية نضالية ووجد الوقت لكتابة بعض القصائد والنصوص السردية التي غذّت إصداراته اللاحقة، ونظّم خمسة معارض لـ"الفن الحر". وانطلاقاً من عام 1942، خطّ مقدّمات لبعض كتب أصدقائه ونصوصاً تأملية ضاربة، مثل "من أجل وعي انتهاكي" (1944) و"هيبة الرعب" و"من هو السيد أراغون؟" (1945).
وتتشابه هذه النصوص في كونها تمرينات مثيرة لذهنٍ متّقد ومحاولات لإعادة فرض احترام بعض المبادئ. إذ رفع الشاعر صوته فيها للدعوة إلى رد المعنى الحقيقي إلى الكلمات المشوّهة، وفضح الدجل السياسي الذي يفصل المبادئ عن الممارسة، وكشف هرم أيديولوجيات القرن وحلول عبودية جديدة، مع خضوع البشر إلى عقائد عنصرية، ودعا إلى حركة جماهيرية مستقلة عن الأحزاب الكبرى كوسيلة وحيدة للخلاص.
وخلال مرحلة تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، انخرط حنين مباشرةً في نشاطات حركة بروتون فاحتل منصب سكرتير تحرير مجلة "قضية" وشارك، مع رفاقه رمسيس يونان وفؤاد كامل وحسن التلمساني وسمير رافي، في "معرض السورّيالية الدولي"، ووقّع بيان "قطيعة مدشّنة" الذي حرّر جزءاً مهماً منه، إلى جانب تعاونه مع مجلتَي "الموكب الثالث" و"نضال".
وفي تلك الفترة، بدأت نصوصه الخيالية والسردية بالصدور في مجلات ودور نشر فرنسية عديدة، قبل أن يعمد إلى نشرها في مجلة "حصة الرمل" التي أسّسها عام 1947 على هامش الحركة السوريالية، ثم في دار النشر التي حملت الاسم نفسه. وفي العام 1956، استقبلت دار "مركور دو فرانس" الباريسية ديوان "العتمة المحرّمة" الذي يتألف من 12 سردية شعرية.
وانطلاقاً من عام 1962 وحتى وفاته عام 1973، كرّس حنين وقته في باريس للكتابة الصحفية. ورغم وضعه غير المريح كمنفي، مارس مهنته بطرافة وروحية فريدتين، ناشراً من حين إلى آخر بعض القصائد أو النصوص.
وبعد وفاته، أصدرت دار "بويريمون" في العام 1977 ديوان "الإشارة الأكثر غموضاً" (41 قصيدة)، وديوان "تدوينات حول بلد عديم النفع" (34 نصاً سردياً)، تبعهما ديوان شعري أخير، "القدرة على التحية"، لدى دار "لا ديفيرانس"، وكتاب ضم عشرة بحوث ومقدمات ومقالات (دار "بويريمون") تكشف جانباً آخر من موهبة هذا العبقري، أي التأمل البصير بالحياة من خلف شخصيات مهمة مختارة.
قصائد للشاعر في ترجمة خاصة لـ"العربي الجديد"