مؤشر السعادة.. مُقعد مغربي يقاوم شقاء الحياة

17 مارس 2016
يجرب سعيد مجددا طعم السعادة (Getty)
+ الخط -

تعلو وجهه صفرة غريبة، بالكاد يستطيع أن يبتسم، في غرفة مجهزة بأثات كئيب وقديم، وإضاءة ضعيفة، اتخذ سعيد مكانا له ليروي لـ"العربي الجديد"، كيف انقلبت حياته رأسا على عقب بعد حادثة سير خطيرة.

كان يحاول أن يلملم فصول حكايته، ويحشد أكبر عدد من الكلمات ليشاركنا مأساته، لم يستغرب حينما أخبرته أن المغرب حل في المرتبة الـ90 في مؤشر السعادة، فكل ما يحيط بالرجل لا يبعث على التفاؤل، ومشاهد البؤس اليومي تعزز نتيجة التقرير الصادر عن شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة لعام 2016.

اسمه سعيد، لكن ليس له من اسمه نصيب، فأبواب السعادة أغلقت في وجهه أكثر من تسع سنوات، بعد أن تحول من شاب يفيض طاقة وحركة إلى مُقعد بكرسي متحرك.

يبلغ سعيد من العمر 44 سنة، وبمستوى تعليمي ثانوي، عمل (5 سنوات) مراقبا في شركة للنسيج بالعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء (كبرى مدن المغرب)، لكن حادثة السير المؤرخة في ذاكرته بـ28 مارس/آذار 2009، كانت تاريخا لا يُنسى حمل معه متغيرات كثيرة في مسار زوج وأب يعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد، بمن فيهم والدته التي ألزمها المرض الفراش.

يقول لـ"العربي الجديد" والألم يمزق صوته "كان امتحان القدر قاسيا، لقد تحولت بين يوم وليلة إلى عاجز عن المشي، فبعد أن نجوت من حادثة سير مميتة على الطريق الرابطة بين مراكش والدار البيضاء، صدمني الطبيب بالحقيقة المرة، وهي أنني أصبت بشلل نصفي ولن أتمكن من التحرك في المستقبل إلا بكرسي متحرك".

نزل الخبر كالصاعقة على الرجل، اعتقد أن الأمر يتعلق بكابوس مزعج سرعان ما سيستيقظ منه، لكنها كانت الحقيقة."بعد فحوصات وتحاليل كثيرة، وزيارة أكثر من طبيب، اتضح أن إصابة على مستوى العمود الفقري كانت سببا في عجزي عن تحريك جزئي السفلي بصفة دائما".

لم يتقبل سعيد الوضع الجديد إلا بصعوبة بالغة، زادت حدتها لدى استغناء شركة النسيج عن خدماته، ليجد نفسه عاطلا من العمل، "شعرت بالعجز التام عن تغطية حاجيات أسرتي، وتحولت من شخص هادئ إلى عصبي، أنزعج لأتفه الأسباب، وأكره أن ينظر إلي أحدهم نظرة شفقة".

فقدان سعيد لعمله، كانت له تداعياته الكبيرة على أسرة لا معيل لها غيره، مما اضطر زوجته إلى العمل مساعدةً منزلية عند إحدى العائلات لتدبير الأزمة.

أزمة لم تتوقف عند هذا الحد، بل إن صاحب الشقة التي يستأجرها سعيد، لم يمهله أكثر من شهرين ليدفع أو يغادر المكان، وسرعان ما تركت الأسرة الشقة واستأجرت غرفة واحدة في حي شعبي يتكدس فيها الجميع ليلا كعلبة سردين.

يوضح سعيد "قضيت ليالي سوداء كثيرة، كنت أفكر في مصير أسرتي ومستقبل أبنائي، فكرت عدة مرات في الانتحار، ولم أستسغ أن نعيش من "عرق زوجتي" وتنقلها بين المنازل في رحلة كدح يومي".

"بعد مرور ستة أشهر على هذا الحال، وبعد رحلة بحث عن العمل شعرت خلالها أنني انطفأت تماما، وجدت فرصة عمل كمساعد في إحدى المكتبات". يقول "رفضت العديد من الشركات أن توظفني، لم يكن شكلي الجديد يشجعهم على ذلك، فكيف لمعتل بكرسي متحرك، أن ينجح في أي عمل مهما كان بسيطا، هكذا كانوا يرددون همسا، ومنهم من قالها لي صراحة. لكنني لم أتوقف عن البحث إلى أن وافق أحدهم على أن أشتغل مساعدا له في مكتبته، أنسخ الكتب والمطبوعات والملصقات".

وإن كان المقابل المادي الذي يجنيه سعيد من مهنته الجديدة هزيلا، بالكاد يسد رمق الأسرة الصغيرة، إلا أنه يبقى في غياب البديل، فرصة جنبت الرجل حالة البطالة، وأعادت إليه الثقة في نفسه.

يجرب سعيد مجددا، أن يذوق طعم السعادة ويرسم ابتسامة، وهو يودعنا قائلا "الخطأ الذي نقع فيه دائما، هو أننا نعتقد أن الحياة ثابتة، وأنه إذا اتخذنا في طريقنا رصيفا معينا يجب أن نعبره حتى النهاية. وفي اللحظة التي نحس أننا وصلنا لوضع لا مخرج منه، نجد منافذ جديدة للحياة".


اقرأ أيضا:مصر في ذيل "مؤشر السعادة" العالمي.. ماذا عن التعاسة؟

دلالات