وتناغمت مواقف ثلاثة مصادر رسمية، تنتمي إلى وزارات الخارجية والمالية والتخطيط، في هذا الصدد، واعتبرت أن "المؤتمر حقق المطلوب منه، عبر توجيه رسائل سياسية إلى دول العالم التي كانت متحفظة في البداية على التعامل مع نظام ما بعد 3 يوليو/ تموز 2013. وتمحور الهدف حول تكريس دور النظام المصري القوي، وحكومته القادرة على المضي قدماً، وأن البلاد جاهزة للمستثمرين الأجانب".
ورأت المصادر، عقب انتهاء اليوم الثاني من المؤتمر، أن "الدعم المالي المقدم من دول الخليج الأربع (الكويت والسعودية والإمارات وعُمان)، يبقى دون المستوى المنتظر، لأن قيمة الودائع الإجمالية بلغت 3.25 مليارات دولار فقط، من إجمالي 12.5 ملياراً". والدليل على أن ما كان يتوقعه السيسي يفوق ما أُعلن عنه، هو قوله، أمس الأحد، "نحتاج من 200 إلى 300 مليار دولار لكي نبني مصر بشكل جيد"، قبل أن يطالب بعقد مؤتمر شرم الشيخ سنوياً.
وكشفت المصادر أن السيسي، "كان يعلم بالمبالغ الإجمالية التي ستقدمها كل من السعودية والإمارات والكويت، وهي 12 مليار دولار، بالتساوي في ما بينها، إلاّ أنه فوجئ بتعهّد الكويت بضخّ حصتها كلها في شكل استثمارات مستقبلية، وكذلك فوجئ بانخفاض قيمة الوديعة السعودية التي تُقدّر بمليار دولار فقط، نظراً لتلقيه وعوداً سابقة بأنها ستناهز الملياري دولار".
كما كشفت أن "السيسي كان يتوقع دعماً منفصلاً للمواد البترولية، من خلال توقيع اتفاقيات منح جديدة مع السعودية والإمارات، تحديداً بعد توقف الإمداد من بعض الشركات في البلدين، منذ مطلع مارس/آذار الحالي، لانتهاء العقود الموقعة مطلع العام الماضي".
اقرأ أيضاً: مؤتمر مصر الاقتصادي: الدعاية السياسية تتقدم على قضايا المال
وأوضحت المصادر أن "هذا الأمر، وإن أدى إلى خيبة أمل جزئية بسبب حاجة مصر الماسة إلى السيولة النقدية، إلا أن تعدد مصادر الاستثمارات العربية والأجنبية وتوقيع الوزارات المختلفة العديد من الاتفاقيات الثنائية مع شركات كبرى في مجالات الإنشاء والكهرباء والطاقة والأغذية، ساهم في عدم ظهور هذه الخيبة".
وأشارت إلى أن "معظم الاتفاقيات التي تم توقيعها في اليوم الثاني للمؤتمر كان متفقاً عليها في وقت سابق، لا سيما الخاصة بالكشوف البترولية وبروتوكولات التفاهم حول محطات الكهرباء، التي كان قد بوشر بتنفيذ بعضها بالفعل، إلا أنه تم تأجيل الإعلان عنها، لغرض محلي هو إكساب المؤتمر أهمية مضاعفة في عيون المصريين".
وأكدت أن "أهم ما خرج به السيسي من المؤتمر، هو تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بأن الولايات المتحدة بصدد إنهاء تعليق المساعدات العسكرية، وكذلك دعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل له لزيارة برلين. وهي الدعوة التي كانت مشروطة في السابق، بحسب تصريحات السفير الألماني في القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بالانتخابات التشريعية، التي أُرجئت إلى أجل غير مسمى.
واعتبر مصدر وزارة الخارجية أن "المؤتمر الاقتصادي حقق مكاسب كثيرة"، واصفاً ردود الفعل الدولية الرسمية بأنها "طيبة للغاية، وأن بعض المسؤولين تحدث صراحة في كواليس المؤتمر، عن شعوره بعودة مصر إلى ما كانت عليه من تنظيم وحسن ضيافة، قبل ثورة 25 يناير 2011، وهو ما قصد المسؤولون عن التنظيم إيصاله إلى الضيوف فعلاً".
وذكر مصدر وزارة التخطيط أن "المستثمرين الأجانب والعرب، الذين نسعى إلى إعادتهم للسوق المصرية، ليسوا مهتمين بعمليات إصلاحية، كتطوير العشوائيات أو بناء مساكن اقتصادية، فهذه الأمور ستتولاها الحكومة بخطة منفصلة، ستُعلن عنها لاحقاً". وذلك في ردٍّ على الفرق بين مدينة العاصمة الجديدة والتجمعات السكنية الراقية، شمال شرقي القاهرة، المحظور على الفقراء دخولها.
وأوضح المصدر أن "تعديلات قانون الاستثمار التي أصدرها السيسي، لا تتضمن إشراك المستثمرين في عمليات كهذه، بل شملت أكبر قدر ممكن من التسهيلات، التي تصل إلى حدّ تمليك الأراضي للأجانب، وهو ما ينطبق فقط على الأراضي الجديدة، أو المرغوبة استثمارياً في وسط العاصمة، حتى يتمكن المستثمر من حصد مكاسب مالية، ويضخّ أموالاً في السوق المصرية، ويتيح تشغيل أعداد كبيرة من الأيدي العاملة".
واستطرد قائلاً "كانت هناك رؤية يتبنّاها بعض الوزراء داخل الحكومة، تقضي بالإعلان عن مشروعات لتطوير العشوائيات فعلاً، لكن الأغلبية ارتأت عدم طرحها في هذا المؤتمر، لأنها ليست من عوامل جذب المستثمرين".
وكشف بأن "الحكومة ستبدأ من اليوم الإثنين، رصد جميع المشاريع المتوقفة، والموكلة إلى مستثمرين عرب وأجانب، للوقوف على أسباب ذلك، وتسوية الموقف المالي لهم، في حال رغبوا في مغادرة السوق، أو عرض الأمر على اللجنة الجديدة المُشكّلة، لتسوية نزاعات الاستثمار في حال أرادوا البقاء، مع تذليل العقبات أمامهم، وفقاً للتعديلات التشريعية الجديدة".
وأوضح أن "قانون المناطق الاقتصادية الذي وافق عليه السيسي من حيث المبدأ، سيصدر رسمياً خلال الأسبوعين المقبلين، لتتمكن الحكومة من تنفيذ اتفاقياتها مع الشركات العالمية، التي ستحصل على أراضٍ مميزة لمشاريع الطاقة وتوليد الكهرباء، حول مجرى قناة السويس ومنطقة شرق التفريعة وصعيد مصر". وأشار إلى أن "هذا القانون يقدم امتيازات عديدة للشركات المستثمرة في هذه المناطق، مثل إعفائها من الضرائب ومنحها عقود حق انتفاع لفترات تصل إلى 50 عاماً".
وفي ظل هذا النشاط التشريعي في مجال الاقتصاد الذي يجتاح أعمال الحكومة المصرية، توارت بشكل لافت الاستعدادات التي كان السيسي قد حددها بـ"شهر على الأكثر"، لوضع قانون جديد للدوائر الانتخابية، إذ لم تجتمع اللجنة المختصة في وضعه إلا مرة واحدة خلال 15 يوماً من تشكيلها، وسط جمود الحوار المجتمعي حول الانتخابات، التي كان مقرراً انطلاقها الأسبوع المقبل، وتجاهل كامل من وسائل الإعلام المحلية.
ورجّحت مصادر سياسية تنتمي إلى قائمتي "في حب مصر" المحسوبة على الجبهة المحافظة من النظام الحاكم، و"صحوة مصر" التي تضم أحزاباً من جبهة الإنقاذ المنحلة، أن يتم تأجيل الانتخابات لفترة طويلة، وأن يدعو السيسي رؤساء الأحزاب إلى لقاء قريب لمناقشة تعديلات جوهرية جديدة على النظام الانتخابي.
اقرأ أيضاً: مؤتمر مصر..مساعدات سخيّة من الخليج