ليبيا: انطلاق العد العكسي للتدخّل العسكري الأجنبي

06 فبراير 2016
استعدادات دولية وإقليمية لمحاربة "داعش" في ليبيا(عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -


باتت الأجواء الحربية التي تحوم فوق الأراضي الليبية أقوى من أي يوم مضى. معطيات عديدة تفيد بتلك الخلاصة، لمستها "العربي الجديد" من مصادر ليبية وتونسية وأجنبية، جميعها تفيد بأن العد العكسي لتوسيع "الحرب على الإرهاب" باتجاه الأراضي الليبية تحت شعار "محاربة داعش"، انطلق بالفعل. أحدث المعطيات اختصرها كلام الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، أمس الجمعة، لدى وصوله إلى اجتماع لوزراء دفاع بلدان الاتحاد الأوروبي، في أمستردام، وحرفيته أن "الحلف على استعداد لدعم محاربة تنظيم الدولة الإرهابي في ليبيا، لكن فقط بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية".

يلخّص هذا التصريح بشكل واضح الاستعدادات الدولية للتدخّل العسكري في ليبيا، على الرغم من بعض التصريحات التي تؤكد على المسار السياسي، وتحاول أن تغطي على الرغبة الدولية في تدخّل عسكري في ليبيا، يبدو وشيكاً جداً بحسب المعلومات المتقاطعة التي وصلت لـ"العربي الجديد"، من مصادر متنوعة.

لم يكن تصريح ستولتنبرغ مفاجئاً، فقد سبقته زيارة رئيس اللجنة العسكرية في الحلف الأطلسي، الجنرال بيتر بافال إلى تونس منذ أسبوع، عقد خلالها سلسلة من اللقاءات جمعته بوزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني، وقائد الجيوش التونسية الجنرال إسماعيل فتحي، والجنرال توفيق الرحموني. كذلك حضر بافال جلسة عمل مع أعضاء لجنة المتابعة للسلام والأمن في المتوسط، وعبّر عن ارتياح "الأطلسي" للتعامل مع تونس.

في المقابل، عبّر المسؤولون التونسيون عن مخاوفهم من تدهور الأوضاع في ليبيا، وهو ما أكده أول من أمس الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، محذراً من التدخّل العسكري من دون استشارة تونس. ولكن هذا التصريح يعكس أيضاً علم السلطات التونسية بالتدخّل، واشتراطها فقط أن يتم التنسيق معها، ومع دول الجوار، لأنها ستدفع الفاتورة الأكبر، كما حدث في 2011 عند الإطاحة بالعقيد الليبي معمر القذافي.

تبدو المخاوف التونسية كبيرة من تكرار ذلك السيناريو، وإن كان ما قد يحدث اليوم أخطر بكثير بحكم إمكانية تسلّل إرهابيين إلى البلاد، وأكد السبسي في هذا الصدد أن تونس لن تغلق حدودها مع ليبيا، محمّلاً المجتمع الدولي مسؤوليته في ذلك.

وتؤكد معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" أن منظمات الإغاثة الدولية بدأت تستعد في الجنوب التونسي لارتدادات الضربات العسكرية على اعتبار أن "الضربات صارت حتمية". واقع لم ينفه رئيس منظمة الهلال الأحمر التونسي الطاهر الشنيتي، في حديث مع "العربي الجديد"، مؤكداً بداية الاستعداد لكل السيناريوهات. وقال الشنيتي إن عمليات التنسيق تتم بالفعل منذ مدة مع المنظمات الدولية، وستجري غداً الأحد "عملية بيضاء" (تمرين)، بمساهمة من وزارة الصحة التونسية والدفاع المدني التونسي ومنظمتي "أطباء بلا حدود" و"أطباء العالم" الدوليتين، و"اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، استعداداً لتدفق اللاجئين والمهجرين فور بدء التدخّل العسكري الخارجي.

اقرأ أيضاً: استعدادات التدخل بليبيا قبل الربيع... وفابيوس ينفي مشاركة فرنسا

ولفت الشنيتي إلى أن نحو ثلاثة آلاف ليبي يعبرون يومياً إلى تونس منذ ثلاثة أيام، مؤكداً استعداد تونس بشكل أفضل مما كان عليه الوضع في 2011. وتابع أن لقاءات ستجمعه مع ممثلي الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين المقبل للتباحث في هذا الشأن، مؤكداً أن الاتحاد رصد ميزانية كبيرة لهذا السيناريو. ولفت إلى أن الحكومة التونسية لن تكرر سيناريو مخيم "المشوشة" كما حدث سابقاً، ولن تكون إلا نقطة عبور للاجئين غير الليبيين، يتم ترحيلهم بعد ذلك عبر البواخر والطائرات إلى بلدانهم. ويكرر المسؤولون التونسيون أنهم يريدون من المجتمع الدولي ألا يترك بلدهم وحيداً في مواجهة انعكاسات التدخّل العسكري في ليبيا، وأن يدعمه على مستوى استقبال وترحيل اللاجئين، وعلى مراقبة حدود البلاد ودعمها عسكرياً في ذلك.

وتتقاطع هذه المعلومات مع ما سبق أن ذكره وزير ليبي لـ"العربي الجديد"، عن أن هناك استعداداً في إيطاليا لتدخّل عسكري، مع وجود بواخر في الجنوب الإيطالي مستعدة لذلك، وهو ما أكدته منذ يومين وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي، بإعلانها عن نشر قطع بحرية قبالة سواحل ليبيا.

وفي السياق، شدّد وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، أمس الجمعة، من قاعدة نيفادا، على أن الولايات المتحدة تراقب الأحداث الجارية في ليبيا عن كثب. ولفت كارتر إلى أن تنظيم "داعش" يسعى إلى كسب موطئ قدم بليبيا في ضوء البيئة السياسية المضطربة هناك، حيث تمكّن التنظيم الإرهابي من الاستيلاء على فضاء يقوم من خلاله بترويع المواطنين ويدبر مخططات إرهابية وهو ما تحاول الولايات المتحدة تفاديه.

وأوضح وزير الدفاع الأميركي أن الولايات المتحدة أبدت استعدادها بالتعاون مع دول أخرى لمساعدة الليبيين لضمان أمن بلادهم، مشيراً إلى أن إيطاليا أعلنت عزمها اتخاذ زمام المبادرة وهو ما ترحب به الولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة العمل على المسار السياسي.

وتؤكد هذه التصريحات من جهة تصاعد الاستعدادات، ولكنها تعكس أيضاً عمق التنسيق الأميركي الايطالي، في تباين مع رؤى بعض الدول الأوروبية الأخرى. ويبدو أن القرار الأميركي محسوم في هذا الاتجاه، ومرتبط مباشرة بالوضع الداخلي الأميركي وبالانتخابات الأميركية تحديداً، حيث يسعى الديمقراطيون إلى منافسة الجمهوريين في أهم شعاراتهم، لناحية استعراض القوة و"استعادة صورة أميركا القوية". وفي هذا السياق، تشير مصادر دبلوماسية عاملة في تونس لـ"العربي الجديد"، إلى أن الديمقراطيين يميلون نحو ضرورة تزامن الانتخابات مع ضربات عسكرية في أكثر من مكان، ومن بينها ليبيا.

تونسياً، يبدو الخيار السياسي محسوماً في خصوص دعم الجهود السياسية الدولية، والاتفاق السياسي، والحكومة الجديدة. ويبدو أيضاً أن قرار حركة "النهضة" متناسق مع الخيار الرسمي، نظراً لدورها في السعي إلى تقريب وجهات النظر. وتؤكد مصادر قياديّة في الحركة لـ"العربي الجديد"، أن كل مساعي "النهضة" ليبياً تتم بعلم السلطات التونسية وبالتنسيق معها.

وتتكثف حركة اللقاءات التونسية-الليبية الساعية إلى تفادي الهجوم العسكري. أحدث الاجتماعات سجّلها زعيم "النهضة" راشد الغنوشي أخيراً في تونس مع رئيس حزب "العدالة والبناء" الليبي، محمد صوان، ولقاء الأخير مع المكلف بتأليف حكومة ليبية جديدة، فايز السراج، والمكالمة التي جمعت الغنوشي أيضاً بالسراج، فضلاً عن لقاءات صوان مع وزير الخارجية التونسي السابق الطيب البكوش. وتشير مصادر مطلعة على مجرى هذه اللقاءات إلى أن "النهضة" كانت تسعى إلى إقناع صوان بضرورة الانضمام إلى الوفاق الليبي والمساعي لتشكيل حكومة الوفاق، وهو ما تم بالفعل في التشكيلة الحكومية التي رفضها برلمان طبرق.

وفي سياق محاولات "النهضة" لتأمين إجماع سياسي من شأنه أن يجنّب ليبيا تدخلاً أجنبياً يزيد من حجم الخراب، تحاول "النهضة" تقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف، واضطرت لهذا الهدف إلى الاتصال بمجموعة من رموز نظام القذافي، فقد علمت "العربي الجديد" أن الغنوشي اتصل بأحمد قذاف الدم وعبد الرحمن شلقم ومحمود جِبْرِيل وغيرهم، لإيمان الحركة بضرورة المصالحة الشاملة في ليبيا، كحل وحيد لإنهاء الصراعات الدائرة هناك. وتؤكد مصادر "العربي الجديد" أن مكالمة الغنوشي مع السراج أخيراً صبّت في الاتجاه نفسه، وكان موضوع دخول الحكومة الجديدة إلى طرابلس من بين مواضيعها.

ولفتت هذه المصادر إلى أن زيارة الغنوشي إلى تركيا بمناسبة التهنئة المتأخرة لحزب "العدالة والتنمية" بفوزه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تناولت أيضاً الشأن الليبي والتطورات المتسارعة في المنطقة، بالإضافة إلى سبل دعم تونس اقتصادياً في هذه المرحلة. تبقى المشكلة الأكبر في هذا السياق، الحيرة التركية الكبيرة إزاء قرار التدخّل العسكري، بين الموقف التركي المبدئي الرافض للتدخّل العسكري الأجنبي من جهة، ووضع تركيا كدولة أساسية في حلف شمال الأطلسي من جهة ثانية.

اقرأ أيضاً: عدد الحقائب وحفتر يصعبان تشكيل حكومة الوفاق الليبية