لن تبوح بسرّها

08 مايو 2017
تلقي نظرة إلى المرآة (Getty)
+ الخط -
"يا أهلاً. يا أهلاً. تفضّلي. خمس دقائق وأكون معك".

دخلت محلّ مصفف الشعر. سلّم عليها من بعيد. لم تسمع ما قاله بسبب ضجيج السيشوارات لكنه بالتأكيد يرحّب بها، فهي الزبونة الدائمة. يترك كلّ شيء فوراً ليسرّح لها شعرها بنفسه. وهي تسلّم له نفسها، أي شعرها، بالكامل. تعرف عن مصفف الشعر أنه قادر على أن يسحر النساء. تَعامُلَه مع شعر المرأة، تزيينه وتصفيفه، لا بل مجرّد لمسه يجعلها ترتخي وتشعر بالأمان والطمأنينة. النظرية ليست علميّة ربما لكنها مثبتة دون شك، فأمهات الفتيات الصغيرات يمسّدن شعر بناتهن لكي ينمن بسلام.

في حالة مصفف الشعر، الأدلّة دامغة. النساء اللواتي يبحن بأسرارهنّ لمصفف الشعر دون غيره. النساء اللواتي يحلو لهن فنجان النيسكافيه والسيجارة أثناء التسريح لمزيد من الاسترخاء. أو حتى النساء المتقدّمات بالعمر اللواتي ينمن على الكرسي ورؤوسهنّ بين يديه.

لذلك تحاول قدر الإمكان ألّا تسمح له بالاستيلاء على شعرها وأسرارها معاً. لا تريد أن تصبح تفاصيل حياتها مادّة في يد صاحب الصالون يتسلّى بها مع زبوناته، فمجلّات أخبار الفنّانين والفنّانات المنتشرة في كافة أرجاء المحلّ كانتشار الملصقات الإعلانية وصور الزعماء السياسيين على جدران الشوارع تقوم بالواجب على أكمل وجه.

لكنها أحسّت برغبة في الكلام. أرادت أن تخبره أن عيد ميلادها أصبح قريباً، فيلتفت إلى زبائنه ويقول بصوت عال: "يا عمّي اليوم عيد ميلاد زبونتنا المفضّلة"، فتغرق هي في خجلها فيما تنهال عليها الأمنيات من كل جنب: "كلّ عيد وإنت بخير"، "ينعاد عليك يا حلوة"، "عقبال الميّة حبيبتي"، "شو ما رح تقوليلنا أديش صاروا؟ (كم بلغت من العمر)"، فيضحك الجميع وتضحك هي أيضاً.

لكنها لم تستسلم لرغبتها هذه. اكتفت بفنجان النيسكافيه وقطعة البسكويت التي وضعت في صحن أمامها على غلاف عدد قديم من إحدى المجلّات الفنية.

في طريق العودة الى البيت، كانت مختلفة. تفكّر أنها لو حكت، ما كانت لتبوح بعمرها. السنوات تُحسَب بثقلها، لا في عددها. وهي تشعر أحياناً أنها أصبحت ثقيلة جداً. لذلك، تذكّر نفسها كل فترة أن تعد السنين بالأرقام لا بالشعور. ولكي تساعد نفسها على ذلك، تلقي نظرة إلى المرآة. عندها، تحاول أن تمشي بخفّة أكثر. تبتسم بلا سبب يذكر، وتترنّح. تعرف أنها أجمل، وأن صورتها في عيون المارّة أوضح.

تفكّر في أمنية للسنة الجديدة. فيحضر فوراً إلى ذاكرتها هذا البيت لرشيد الضعيف، كما لو كان جاهزاً ينتظرها لتسأل عنه: "خفيفة، كنسمة أو بسمة أو كراحة البال".

المساهمون