استمع إلى الملخص
- **تحديات البحث عن مأوى:** اضطر المهجرون للبحث عن أماكن مؤقتة مثل الساحات المكتظة، حيث لم يجدوا خياماً أو حتى أكياس نايلون لصنع مأوى.
- **الظروف القاسية والمخاطر المستمرة:** يعيش المهجرون في مناطق مدمرة أو على شاطئ البحر، رغم المخاطر المستمرة من القصف الإسرائيلي، مما يزيد من معاناتهم اليومية.
يعيش المهجرون في مدينة خانيونس ضغوطاً كبيرة في ظل الازدحام
قضى معظم المهجرين ليلتهم الأولى في العراء
توجه مهجرون للسكن في المقابر ومن بينها مقابر أنشئت عقب العدوان
وجد الغزيون الذين هُجّروا من مناطق في خانيونس أنفسهم على الطرقات بعدما لم يبق هناك أمكنة يذهبون إليها في ظل الازدحام وعدم توفر الخيام وغياب المنظمات الإنسانية.
يعيش المهجرون في مدينة خانيونس ضغوطاً كبيرة في ظل الازدحام في جميع المنافذ المؤدية إلى الشوارع والتي تتيح بدورها الوصول إلى شاطئ البحر، بعدما أعلن الاحتلال الإسرائيلي عن عملية عسكرية جديدة على مناطق شرقي ووسط المحافظة، وبذلك، قلّص المنطقة التي يدعي أنها إنسانية، وأعلن عن الخريطة التي تضمنت مناطق حيوية فيها، وتضم شوارع عدة، ومجمع ناصر الطبي، ومركزين صحيين.
أول من أمس، وصلت تحذيرات على أرقام الغزيين المتواجدين بين مناطق تركز النازحين شرقي خانيونس ووسطها، تفيد بأوامر إخلاء بلدات بني سهيلا والقرارة وخزاعة، ومناطق القرين والمنارة وحي السلام وقيزان النجار وجورة اللوت ودوار الشيخ ناصر والمحطة والسطر الغربي والأحياء القريبة منها.
أغار الاحتلال الإسرائيلي على عدد من المهجرين أثناء النزوح، في وقت كان بعضهم لا يعرف أين يذهب. وقال المكتب الإعلامي الحكومي صباح أمس، إنه خلال 24 ساعة من أوامر الإخلاء الإسرائيلية، سقط 89 شهيداً و263 مصاباً، بينما سجل 68 مفقوداً يعتقد أنهم لم يتمكنوا من الفرار، فيما لا يزال آخرون تحت الأنقاض. ووصلت 1217 مناشدة من عائلات محاصرة، وطاول القصف أكثر من 190 منزلاً ومبنى سكنياً.
قضى معظم المهجرين ليلتهم الأولى في العراء، ووضع البعض الفرش التي حملوها معهم على الأرض، بعدما فشلوا في إيجاد مكان يمكن أن يقضوا ليلتهم فيه. المدارس مكتظة ولا يمكنها استيعاب أحد، حتى في ساحاتها. كما اختارت نسبة كبيرة من المهجرين النوم في ساحة مجمع ناصر الطبي على الرغم من أنها منطقة خطرة، لكن لا يزالون يعتقدون أنّ العملية العسكرية يمكن ألّا تستهدف المجمع الطبي الذي اقتحم مرتين هذا العام والذي أقام فيه مقبرة جماعية واعتقل طواقمه الطبية ودمر أجزاء منه.
أجبر فضل أبو صابر (53 عاماً) جميع أفراد أسرته على المبيت في الساحة الخلفية لمجمع ناصر الطبي. كان أحد الذين عادوا إلى منزلهم المدمر والواقع على حدود بلدة القرارة شمال خانيونس. كان الاحتلال قد دمر شقتين من المبنى الذي يملكه وفيه أربعة طوابق. كان قد أزال الركام بمساعدة أبنائه بعدما قضى شهرين مهجراً في مدينة رفح، لكن الاحتلال الاسرائيلي دمر ما تبقى من منزله عندما نزح منه وعاد مسرعاً بعدما أخبره أحد جيرانه النازحين، فوجده مدمراً بالكامل.
لم يتصور أنه سيجبر زوجته وبناته وأحفاده على المبيت في العراء، بعدما فشل في البحث عن أي مكان لقضاء الليلة الأولى من العملية العسكرية. يتذكر أنه في المرة الأولى التي نزح فيها، باتت النساء والأطفال في خيام، والرجال في مكان آخر. لكن هذه المرة، فإن مهمة إيجاد فصل في مدرسة أو خيمة أو غرفة أو حتى مساحة فارغة أصبحت مستحيلة".
يقول أبو صابر لـ"العربي الجديد": "لا مكان لنا سوى السماء عسى أن تأخذ أرواحنا مباشرة. انتهت كل الحلول وفشلت محاولات البحث عن أماكن. الناس هنا تصطف في الشوارع وتنظر شمالاً ويميناً ولا تعرف أين تذهب. وما يحزنني أكثر هو أننا نعيش قرب أوطان يربطنا معها الدم والعرق والثقافة وحتى الدين. هذا ما كنا نسمعه في صغرنا، علماً أن أبي صار يضحك هو الذي عاش النكبة والنكسة من قبلنا وخذل". يضيف: "توجهنا إلى وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وصدمنا لأن عدداً من العاملين فيها لا يجدون أماكن لعائلاتهم ولا حتى خيام. حاولت البحث عن أكياس نايلون لصنع خيمة من دون أن أجد شيئاً. ما زلت أحاول تأمين مكان للنساء والأطفال، بينما أنا وشبان العائلة مستعدون للمبيت في العراء. هذه الحرب جعلتنا ضعفاء جداً".
في اليوم الأول للعدوان، استيقظ المهجرون الجدد وحاولوا البحث عن أماكن توفر لهم الظل بعيداً عن أشعة الشمس الحارقة. عدد قليل من المحظوظين وجدوا مساحة لهم في خيام أقاربهم ولو مؤقتاً. لكن أعداداً كبيرة تقف وسط المجمع الطبي في انتظار الرجال الذين خرجوا للبحث عن أماكن يمكن النزوح إليها.
كانت أكثر المناطق التي يتواجد فيها المهجرون هي البلد وسط خانيونس، على الرغم من الدمار الذي حل بها نتيجة العملية العسكرية الإسرائيلية الأولى التي انتهت في بداية إبريل/ نيسان الماضي، بالإضافة إلى منطقة السطر الغربي. وحالياً، غادرها الناس مجدداً ليلاحقهم القصف الإسرائيلي، على غرار ما حصل مع عائلة عبد الرحمن صلاح.
دمر الاحتلال منازل في منطقة السطر الغربي، والتي كانت مدمرة جزئياً وفي داخلها خيام. كان صلاح يحاول النزوح مسرعاً حاملاً الفرش، فأغار الاحتلال على منزل جيرانه من عائلة حجازي، والذين سقط عدد منهم شهداء فلم يتمكنوا من النزوح. ويقول إن الاحتلال لم يمنح الناس الوقت للنزوح. طلب منهم الإخلاء ثم راح يلاحقهم.
يوضح صلاح أن عدداً كثراً من سكان مدينة خانيونس عادوا إلى منازلهم المدمرة بعد العملية الإسرائيلية التي بدأها منتصف يناير/ كانون الثاني وحتى بدايات إبريل/ نيسان الماضيين، وقبلوا الواقع الذي وجدوه من منازل مدمرة، وأزالوا الركام على مدى أسابيع من بعض الغرف التي يمكن استخدامها، فيما نصب البعض خياماً أمام المنازل حتى لا يبقوا في مناطق التهجير، بالإضافة إلى إفساح المجال أمام عدد آخر من المهجرين غير القادرين على العودة إلى منازلهم في المناطق الشمالية.
كما رجع عدد آخر من سكان المنطقة بعد العملية العسكرية على مدينة رفح في السادس من مايو/ أيار الماضي، لكن جميع من عاد أخلى المنطقة التي كانت مكتظة، وباتوا من دون مأوى، وافترش عدد كبير منهم الأرض قرب خيام النازحين في منطقة المواصي، فيما تمكن البعض من نقل الخيام التي صنعوها بأنفسهم.
يقول صلاح لـ"العربي الجديد": "نعيش ما لم يعشه البشر من قبل ولا حتى في الأفلام التي شاهدناها في حياتنا. المشاهد التي أتذكرها في الأفلام، تصور نزوح القبائل أو العائلات أو المجموعات أياً كانت إلى مكان فيه خيام، أو إلى وطن آخر، أو قارب أو سفينة عبر البحر تنقلهم إلى منطقة ما، أو إلى شاحنة كبيرة. لكن لا يوجد شيء لنقلنا ولا منظمة تساعدنا. لا شيء". يضيف: "الخيام غير متوفرة، ولا مساحات فارغة في ظل الاكتظاظ. قضينا ليلتنا في مجمع ناصر الطبي، وأخبرَنا الأطباء بضرورة ترك مساحات لدخول الجرحى والمرضى. كانت أصوات سيارات الإسعاف كثيرة ولم ينم عدد كبير منا، فيما أجبر الإنهاك البعض على النوم. لا أحد يسأل عنا. ننتظر رد الأونروا وعدد من المنظمات، ونخطط للانتقال إلى قلب المستشفيات الميدانية رغم إدراكنا بأن هذا قد يعيق عملهم. فالمستشفى المركزي الوحيد هنا مكتظ".
وتوجه مهجرون للسكن في المقابر، ومن بينها مقابر جديدة أنشئت عقب العدوان الإسرائيلي، في الوقت الذي زادت فيه أعداد الخيام المطلة على شاطئ البحر، والناس المتواجدين فيها. نام العشرات أمام شاطئ البحر على الرغم من وجود البوارج الحربية الإسرائيلية التي تقصف أهدافاً عدة باتجاه مدينة رفح وحتى المنطقة الشمالية، وهو ما يراه المهجرون.
نزح زهير حرب (29 عاماً) من منطقة قيزان النجار باتجاه شاطئ البحر، تاركاً نساء العائلة في إحدى المدارس المطلة على المنطقة الغربية لمخيم خانيونس، حيث نمن في ساحة المدرسة، بينما نام عدد من أصدقائه مع آخرين على الرمال أمام الشاطئ، بعدما قدم الشبان الفرش للنساء. يقول لـ "العربي الجديد": "تمنيت لو كنت سمكة في البحر، وإن كانت تواجه خطر أن تلتهمها سمكة أكبر منها، إذ على الأقل، لديها مساحة تعيش فيها. أو حتى طائرا في السماء يحلق من دون حدود ولا تلاحقه طائرات وقنابل وصواريخ حتى لو كان هو الآخر يواجه مخاطر. ما نواجهه من مخاطر حياتية في غزة يصعب وصفه".
وصدر الأمر بإخلاء الجزء الشرقي من منطقة المواصي بعد شهرين فقط على إلقاء الجيش مناشير وجهت الفلسطينيين للذهاب إليها حفاظاً على سلامتهم. وأكد الجيش الإسرائيلي أن قواته استهدفت أكثر من 30 بنية تحتية عسكرية في خانيونس، حيث قصفت طائراته مخبأ للأسلحة ومواقع مراقبة وممرات أنفاق ومنشآت تستخدمها حركة حماس.