لكل مكتئب نصيب

23 ابريل 2015
+ الخط -

الاكتئاب مرض شائع، يستهدف الكتلة الحرجة من المواطنين، فبين كل عشرين يصاب واحد، مرض حريمي، عدد النساء اللائي يصبن به ضعف عدد الرجال، وأحياناً أكثر من الضعف وفق بعض التقديرات، كما أنه مرض "عواجيزي"، يصاب به المرء في الأغلب بين الـ 40 والـ 50 أو بين الـ 60 والـ 70.

من أعراض الاكتئاب عند المراهقين الكذب، ومن أعراضه عند المسنين عته الشيخوخة، والاضطرابات المعرفية، وفقدان الحماس، وعدم الرغبة في فعل أي شيء، وادعاء اللاأدرية.

بعض الدراسات الحديثة تشير إلى أن الاستخدام المفرط للحاسب الآلي، أو الجلوس لفترات طويلة أمام الإنترنت، ومواقع التواصل، كل ذلك يصيب بالاكتئاب، بالإضافة إلى تناول الوجبات السريعة نصف المقلية، حيث تحتوي في بعض مكوناتها على مواد تزيد من الإحساس بالمرض!

في مصر الآن نوع جديد من "الاكتئاب النضالي"، يجمع بين أسوأ ما أسلفنا من الأسباب والأعراض مضافاً إليها اللمسة المصرية الخاصة، تلك التي تمنحنا براءات اختراع لأسوأ منتجات الإنسان القديم والحديث على السواء.

الاكتئاب النضالي، يصاب به الناشطون من سن 30 إلى 40 سنة، لكن بنفس أعراض الاكتئاب الذي يصيب العجائز من الـ 60 إلى الـ 70، رغبة محمومة في عدم فعل شيء، مضافاً إليها سلوك عدواني غير مبرر إزاء كل من يحاول أن يفعل شيئاً، مع رغبة في تيئيسه، ودعوته إلى صفوف المكتئبين، وتوفير بيئة اجتماعية حاضنة تشتمل على التشجيع والتضامن، بل وتقديم تنظيرات تفلسف سلوكيات المكتئب الانسحابية وتجعل منها الخيار الأكثر مثالية وعقلانية وواقعية وملائمة للظرف المحلي والإقليمي!

واحد من الحقوقيين اليساريين البارزين، والثوريين بطبيعة الحال، كتب على صفحته تعليقاً على تسريبات التخابر بين السيسي ودولة الإمارات، وحركة تمرد، على إسقاط النظام، والانقلاب العسكري، مفاده أن الدرس المستفاد من التسريب هو أن الإخوان أغبياء، كانوا يتآمرون عليهم، وهم لا يدرون بشيء مما يحدث، وبناء عليه، وفقاً لرؤية الحقوقي، لا ينبغي لأحد أن يطالبنا بشيء، لا النزول، ولا التضامن، ولا يحزنون، فليحترقوا هم والعساكر، ما شأننا بهؤلاء الأغبياء؟

أما أن يتخابر جنرالات الدولة مع دولة أجنبية، ليسقطوا نظاماً، يستهدفون أن يحلوا محله، وينقلبوا عليه عسكرياً، ويجهضوا بهذا الانقلاب مسار الثورة المصرية كله، فكل هذا لا يستفاد، ذلك لأنه قد يدفع للفعل، ومرضانا "المقموصوين" نضالياً قرروا أن يكتفوا بالفرجة!

أستاذة جامعية تدرس العلوم السياسية حملت على غير المكتئبين واعتبرت محاولاتهم المستميتة لتجاوز الثورة المضادة، مجرد طموح سياسي، مناشدة إياهم أن يكفوا، فلا ذنب لها أن تتحمل طموحات الآخرين، وقد رأت أحلامها تنكسر أمام عينيها، ورضيت بذلك!

بعضهم يخبرك أن الحياة حلوة، مملوءة بالمتع البشرية، والمباهج، فلنرقص، أو نشرب، أو نستمتع بأي طريقة كانت، الحياة ليست نضالاً فحسب، نحن هنا أمام نوع من الاكتئاب ثنائي القطبية، أو ما يسمونه ذهان الهوس والاكتئاب، حيث يتصرف المريض خارج السيطرة، يفرح، ثم يحزن، ثم يرقص، ثم يلطم، ثم لا شيء على الإطلاق!

المكتئب، شخص غير قادر على الإحساس بذاته، أو العالم من حوله، وأعراض المرض الأساسية كما يخبرنا المتخصصون ليست الحزن إنما الخواء، وفقدان القيمة، وعدم الإحساس، والتبلد، وكلها أعراض تنطبق على الاكتئاب النضالي الذي أصاب شبابنا من كافة التيارات!

لسنا في وضع يسمح لنا بهذا "الدلع"، والتماوت، بدأنا شيئاً، علينا أن نكمله، الظرف ما زال مواتياً، وبشدة، لتجاوز كآباتنا، وانكساراتنا إلى صيغة قد تكون ليست نهائية لكنها معقولة، أهم ما يوصي به المتخصصون لتجاوز الاكتئاب هو الأهداف المعقولة، ثمة نوع من الاكتئاب يمنح صاحبه طاقة إبداعية متجاوزة، تمكنه من تحويل المرض إلى معجزة حقيقية، يخبرنا أهل الذكر أن العلاج يبدأ بالاعتراف، أما أن يفلسف المكتئب مرضه، ويدعي أنه من طبائع الأشياء، فهذا معناه مرض دائم مزمن قد يؤدي إلى الانتحار أو الوفاة، ثوروا تصحوا.


(مصر)

المساهمون