لحظة غير مناسبة

23 فبراير 2015
تدرس على ضوء الشمعة (حسين بيضون)
+ الخط -

"الله لا يوفّقهم".
لو أحصاها أحد المارّة لسمعها خارجة من بيوت المدينة كلّها، أو من بيوت البلد كلّه. هذه لحظة انقطاع الكهرباء. اللحظة التي تقع على رأس الناس مفاجئة دوماً، مثل ملاك الموت، فتربك يومياتهم وتؤرّق مساءاتهم.
في هذه اللحظة علق ثلاثة أشخاص خلال نزولهم في المصعد. كانوا ذاهبين لمشاهدة فيلم سينما. لن يلحقوا الفيلم هذا المساء.
في هذه اللحظة انقطعت الماء عن فادي خلال استحمامه، بسبب ارتباط قوة دفعها بالمضخة التي تعمل على الكهرباء. لم يبق له إلا حرقة الصابون في عينيه والحسرة في قلبه.
في هذه اللحظة خسر سعيد، العاطل عن العمل، متابعة حلقة اليانصيب آملاً من أرقام الحظ أن تنشله من مستقبل معدوم في هذه البلاد.
في هذه اللحظة فقد الأطفال اللمبة التي تنير لهم ساعات الدرس، وقد اضطروا الآن للعودة إلى الشمعة التي باتوا يكرهونها، حتى على قالب الحلوى في أعياد الميلاد.
في هذه اللحظة صبّت أم أحمد القهوة خارج الفنجان.
في هذه اللحظة تأكد خليل أنه سيذهب بقميص غير مكويّ إلى العمل.
في هذه اللحظة خسرت السبعينية أم كريم حرارة المدفأة الكهربائية التي أهدتها إياها ابنتها في عيد الأم.
في هذه اللحظة يصلّي رامز أن تخدمه بطارية الكومبيوتر، كي يختم تقريره، فهو مضطر إلى تسليمه لصاحب العمل باكراً في الصباح. ملاحظة: صاحب العمل يكرهه وينتظر منه أي تلكؤ كي يحسم له من راتبه.
في هذه اللحظة انقطعت أغنية "بتلوموني ليه" لعبد الحليم حافظ عن "ستيريو" هند الصغير. لن تفكّر بحبيبها المراهق الآن.
في هذه اللحظة لاحت ابتسامة صاحب مولّد تأجير الكهرباء. لقد تأكّد من عدم خسارة زبائنه.
في هذه اللحظة ازداد إيمان رأفت قناعة بزوال فكرة الدولة. أصبح أكثر يقيناً بأنه سيهاجر ما إن ينهي شهادة البكالوريا. لن يخبر أهله بهذا القرار وسيؤجل إعلانه إلى ذلك الحين.
في هذه اللحظة تفكّر أم مصطفى بأن انقطاع الكهرباء سيتلف اللحمة التي وضعتها في البرّاد، والتي لن تصمد إن طال انقطاعها.
في هذه اللحظة توقفت لمى عن قراءة رواية "الجريمة والعقاب" لدوستويفسكي. لقد فهمت معنى الجريمة وحدها لكنها تبحث الآن عن تفسير للعقاب.
في هذه اللحظة أوقع سمير المنبّه على الأرض فانكسر. سيفيق متأخراً في الصباح.
في هذه اللحظة قرّر السمّان خضر التخلّي عن بيع الألبان في الدكان. قراره نهائي هذه المرّة ولا رجوع عنه. لن يتمكن مندوب المبيعات من ثنيه عن ذلك.
في هذه اللحظة تعثّر رفيق، ابن السنتين، ووقع على وجهه. خليل طفل، ولا يعرف أنه غير مسؤول عن وقوعه.
في هذه اللحظة بالكاد انتهى هذا المقال ولم ترجع الكهرباء بعد.
المساهمون