لا تزال القوى السياسية اللبنانية عاجزة عن صياغة موقف رسمي موحّد، من ملف العلاقات مع النظام السوري، في ضوء التقدّم الميداني الذي منحته القوات الروسية والمليشيات العربية والأجنبية، لصالح رئيس النظام بشار الأسد، ووجود أطراف محلية تدعو للتطبيع مع النظام.
ويستمر انعكاس هذا الخلاف، على مجلس الوزراء اللبناني، الذي تحوّل من حكومة تحضير لانتخابات نيابية كان يُفترض أن تكون قريبة، إلى مجلس وزاري سيستمر في مهامه حتى العام المُقبل، وعلى جدول أعماله ملفات إقليمية ترتبط بالأزمة السورية على الصعيدين السياسي والإنساني، في ظل وجود حوالى مليون لاجئ سوري مُسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين على الأراضي اللبنانية.
ملف التنسيق مع النظام السوري أُعيد طرحه، قبل أقل من شهر، خلال تحضير صفقة التبادل بين "حزب الله" و"جبهة النصرة" في جرود عرسال، التي نصّت على انتقال حوالى 10 آلاف لاجئ إلى سورية، مع مطالبة وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" بتنسيق انتقال اللاجئين السوريين مع النظام السوري وبشكل مباشر.
ورغم الموقف المُعلن لرئيس الحكومة سعد الحريري، وفريقه السياسي (تيار المستقبل) الرافض لأي شكل من أشكال التنسيق مع النظام السوري في ملف اللاجئين، أشرف المدير العام لجهاز الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، على إتمام عملية الانتقال بتنسيق كامل مع الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية وبإيعاز من رئيس الحكومة، كما قال.
ويستعد مجلس الوزراء، الذي يجتمع اليوم الأربعاء، لمناقشة إعلان وزير الصناعة حسين الحاج حسن (حزب الله) والزراعة غازي زعيتر (حركة أمل) نيتهما المشاركة في مؤتمر تنظمه السلطات السورية في دمشق، حول إعادة الإعمار، منتصف أغسطس/ آب الجاري.
واستبق الحاج حسن الجلسة الحكومية بالإعلان، أمس الثلاثاء، أنّه "على من يعارض زيارة دمشق أن يُغيّر التاريخ والجغرافيا معاً"، معتبراً أنّ "الدعوة لحضور المعرض طبيعية من أجل تعزيز العلاقات التجارية".
وقال الحاج حسن الذي ظهر، نهاية الأسبوع الماضي، بالزي العسكري في جرد بلدة عرسال بعد السيطرة عليه من قبل مقاتلي "حزب الله"، إنّ "الزيارة إلى سورية طبيعية وهناك تنسيق متبادل بين البلدين وإن كانت الأمور المعيشية تفرض التنسيق بين البلدين، فكيف بالتطورات الميدانية والإرهاب الذي يفترض تنسيقاً أكبر لحماية الحدود".
وفي المقابل، أكد وزراء من "تيار المستقبل" ومن "القوات اللبنانية"، قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء، مواقف معترضة على الزيارة، علماً أنّ تلبية أي وزير أو مسؤول رسمي من الفئة الأولى لدعوة خارجية تخضع لموافقة مجلس الوزراء.
وسبق لملف إعادة إعمار سورية، أن جذب عشرات السياسيين اللبنانيين الذين استثمروا في مجالات الطاقة والبناء والاتصالات، وأسسوا شركات هناك.
تاريخ من العلاقات المتناقضة
ولا يمكن الحديث عن ملف العلاقات اللبنانية – السورية، دون التطرّق إلى التناقضات الكبيرة التي حكمت علاقة الرئيس الحريري بالنظام السوري، بعدما اتهمه أولاً باغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، قبل أن يزور سورية في العام 2009 ويلتقي الرئيس الأسد، ويبيت ليلته في قصره، في إطار الانفتاح السعودي آنذاك على النظام السوري، قبل اندلاع الثورة.
وبعد انتشار المظاهرات في مُختلف المناطق السورية، في العام 2011، أكد الحريري الذي كان يقيم خارج لبنان "لأسباب أمنية"، أنّه سيعود إلى بيروت من مطار دمشق، في إشارة إلى قرب سقوط النظام السوري.
وتحوّل الأمر إلى سلسلة مناكفات دبلوماسية بين الحريري، وبين سفير النظام السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، مرة عندما غادر الحريري منصة رسمية رفضاً لمصافحة السفير، ومرة عندما رفض علي الوقوف لتحية الحريري خلال احتفال عيد الجيش الأخير.
وقد جمّدت التطورات في سورية، التنسيق الرسمي والمُعلن بين الطرفين، إن كان عبر السفارات أو عبر المجلس الأعلى اللبناني - السوري (هيئة رسمية مشتركة لتنسيق العلاقات تُعتبر أحد أوجه الوصاية السورية على لبنان)، إلا أنّ التنسيق الميداني تواصل بين الأجهزة الأمنية خلال 3 عمليات تبادل، أجرتها جهات لبنان الرسمية والحزبية، مع مجموعات سورية مسلحة لإطلاق مواطنين لبنانيين وسوريين، وتبادل موقوفين ومخطوفين وأسرى.