لبنان: أَكَلنَا الضَّرب

16 يناير 2016

لن يكون مفاجئاً إذا ترشح سماحة لمقعد نيابي مستقبلا

+ الخط -
لو أراد المخرج الأميركي، فرانسيس فورد كوبولا، إخراج فيلم شبيه بفيلم "العرّاب" التاريخي، لن يجد أفضل من لبنان ساحة نموذجية لقصصٍ لا تنتهي. بالطبع، لا يعود ذلك إلى "الغنى السينمائي" لوطن الأرز، أو لتعدّد كتّاب السيناريوهات فيه، بل إلى أمرٍ واحدٍ فقط: القدرة على تغيير كل شيء لأجل فرد أو مجموعة، باسم القانون، مهما بلغت فداحة جرائم هذا الفرد أو هذه المجموعة. بعدها، ينعكس هذا الأمر على الواقع العام، فينقسم الشعب عمودياً وأفقياً، سياسياً وطائفياً، بما يشبه هستيريا الغباء الجماعي، لا ينتصر، في ختامه، سوى بضعة مجموعات أو أفراد وبعض رجال الأعمال. ووسط هذا كله، تبقى حلول القضايا الملحّة بعيدة عن المعالجة، من مسألة النفايات إلى الخدمات الطبية، إلى النقل العام والمواصلات والفساد الغذائي وغيره.
في لبنان، يخرج الوزير السابق، ميشال سماحة، سعيداً من السجن، باسم القضاء والشعب اللبناني. في لبنان، يسرح أمراء الحرب الأهلية اللبنانية وأبطالها، على جثث "شهداء القضية"، ولا من يحاسبهم، أو يتجرّأ على النظر في عيونهم. في لبنان، يُغتال رؤساء جمهورية، ورؤساء حكومة، ورجال دين، ومئات الأشخاص، من دون معرفة قاتلهم، أقلّه قانونياً، وإن عُرف، لن يدخل السجن قط. في لبنان، تُرتكب الخيانة العظمى بالتعامل مع العدوّ الإسرائيلي، ضد وطنك، وبدلاً من محاسبتك بالسجن فترة طويلة، تخرج بعد عام أو عامين على الأكثر. العمالة وجهة نظرٍ.
في لبنان، يقتل رجل زوجته في سياق العنف الأُسري، فيخرج من السجن بعد وقتٍ قصير. في لبنان، يُسجن أحد الأشخاص أكثر من سبع سنوات لأجل شيك من دون رصيد، ولا يُحاكم. في لبنان، صعب أن ترفع قضية عادية، لأنك ستُصبح المُعتدي، لا المُعتدى عليه، لاحقاً. ليس "دون كورليوني" وهماً في لبنان، بل حقيقة أفرزتها تراكمات كثيفة، من بنية اجتماعية طوائفية عسكرية سياسية، تتوارثها الأجيال بشقّيها، الحاكم المعصوم عن الخطأ، والتابع المولود من الخطيئة.
ماذا بعد خروج سماحة من السجن؟ لا شيء. سينسى اللبنانيون الأمر خلال فترة قصيرة، سيولد حدثٌ ما، قصة ما، يُصبح معها سماحة شيئاً من "الماضي الغابر". لن يعود إلى السجن، ولن يتفاجأ أحد إذا ترشح إلى مقعدٍ نيابي مستقبلاً، وفاز به أيضاً. هنا، الجرائم، توأم العمالة، وجهة نظر أيضاً، المُرتَكَب، وما هو في طور النمو.
أما الباقي، من حربٍ أو سلم، فلا معنى لهما حالياً، لأن سِلمَنَا وحَربَنَا ليسا من صُنعنا نحن اللبنانيين. أصلاً، لم يكونا كذلك منذ الرصاصة الأولى في حرب 1958 الصغيرة. وما بين قراري الحرب والسلم، من خيارات يُفترض أن تكون "استقلالية"، باتت مرتبطة حكماً بأساسيتيّ السلم والحرب. واستناداً إلى العامل الخارجي، على الداخل "تقبّل" كل شيء، وفق منظومة فساد، هي الأسوأ والأعظم في العالم. لن يستطيع لبنان الخروج من كل هذا المأزق، إلا عبر أمرين: الهجرة إلى بلادٍ تحترم الإنسان وحقوقه، أو تحقيق ثورة عارمة لن تقوم لها قائمة قريباً. غير ذلك، على لبنان التكيّف مع الوضع الحالي، والإذعان للواقع السيئ.
في "العرّاب" يقول مايكل كورليوني (آل باتشينو)، لزوج شقيقته كارلو ريزي (جياني روسو)، قبل أن يُصفّيه "لا تقل لي إنك بريء كارلو، لأنك تُهين ذكائي. هذا الأمر يُشعرني بالغضب". شعرنا في لبنان بالإهانة، كشعب "يتفاخر" بذكائه، و"شعرنا" أيضاً بالغضب، لا فقط في قضية سماحة، بل في قضايا سبقت، وأخرى ستلي. هذا أقصى ما وصلنا إليه قبل مواصلة حياتنا. لن نفعل أكثر، فقد جُرّبنا في ملف النفايات، وها إن هناك حوالى نصف مليون طن من النفايات منتشر في بلاد الـ10452 كيلومتراً مربّعاً، من دون بوادر جدّية لمعالجتها وغيرها من الملفات. باللهجة اللبنانية "أكلنا الضرب".
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".