لا بأسَ من الحلم

29 نوفمبر 2014
من قال إن الصبي يفضّل الأسلحة البلاستيكية فقط؟(فرانس برس)
+ الخط -
الحياةُ التي يريدها البعض لأطفالهم قد تكون أقرب إلى الخيال. في لبنان، الذي يخرج من حرب ليدخل أخرى، تعدّ تربية الأطفال بمثابة تحدٍّ. يسعى الأهل إلى إخراج أطفالهم، منذ أن يولدوا، من "خصوصية" البلد الطائفية ـ العنفية. كأنهم يثبتون بذلك أنهم لم يكونوا جزءاً من هذه الخصوصية يوماً. 

يصرُّ هؤلاء على قراءة القصص لأطفالهم قبل النوم. كقصة الفراشة التي تساعد أخواتها الفراشات على الاحتماء من المطر. أو يحذفون عبارة "لدبحلو طير الحمام" من أغنية فيروز "يلا تنام ريما"، التي يدندنونها لهم قبل النوم. لا مكان للذبح في قاموسهم. عالمهم أليف، تملؤه العصافير والأرانب والدجاجات. حتى الأسود والذئاب تصير أليفة. الأسد هو ملك الغابة الجميل. والذئب قد يرافق ليلى في طريقها إلى جدتها. ربما سيضحكان معاً، ولن يأكل الجدة إلا على سبيل المزاح، كما تداعب الأم طفلها.

ينتقون لعب أطفالهم بعناية، وخصوصاً التعليمية منها. من قال إن الصبي يفضّل الأسلحة البلاستيكية فقط؟ من قال إن المادة المصنوعة منها كفيلة بجعلها لعبة أصلاً؟ هؤلاء صاغوا عالماً خاصاً بهم. يكاد يكون متخيّلاً. لكنه حقيقة أقرب إلى الخيال. يظنون بذلك أنهم يحمون أطفالهم من عالم عنيفٍ يتنامى حولهم بسرعة كبيرة، تفوق قدرة أولادهم على تعلّم النوتات الموسيقية.

حتى "توم وجيري" ليس أليفاً، علماً أنه مسلسل رسوم متحركة بطلاه مجرّد قط وفأر. هما ثنائي مضحك لكن عنيف. يختار هؤلاء الأهل لأطفالهم شخصيات تتكلّم بهدوء وتُحاور وتجلس إلى مائدة واحدة لتناول الطعام مع العائلة، تلك الفضائل "الكندية" أو "السويسرية"، أو أية بلد يطمحون في الهجرة إليه، علهم يحققون فيه أطفالهم المتخيلين.

هم إذاً أطفال دولة ما لا نعرفها بل نحلم بها، فنعيش حلمنا من خلالهم. لكن صغارنا، حين يكبرون قليلاً، سيكتشفون عالماً مغايراً. عالم من أشرار وثقوا يوماً أن أبطالهم "السلميّين" قادرون على التخلص منهم. العنف ممارسة يومية هنا. عبارتنا وردود أفعالنا قائمة على العنف. سيقفون تائهين بين عالمين. وقد يعجزون عن الاندماج في الإثنين.

لا بأسَ من الحلم. علينا أن نهرب إلى مكان ما في النهاية. ولا مانع من يكون الحلم دولة. نؤسّس فيها جيلاً سلمياً وأليفاً. نخبرهم أن فرحة العيد لا تنحصر بتصويب الأطفال أسلحتهم البلاستيكية على بعضهم البعض، وقتل الضعيف حتى لو كان ذلك مجرد تمثيل. فهذه المشاهد تسرح في لاوعيهم حتى تنسجم في العالم الحقيقي. ربما الأجمل أن يساعد الأطفال أمهاتهم في إعداد كعك العيد.
المساهمون