لأنّني لا أريد أن أسرق

13 يوليو 2015
لا يكفيه راتب قوى الأمن الداخلي (فرانس برس)
+ الخط -
"ع اليمين" قال الشرطي صاحب الصدر المنتفخ على الحاجز العسكري لسائق الأجرة الثلاثيني المنهك حتى الثمالة. ومع أن السائق بدا نظامياً وقانونياً، إلا أن الشرطي توجّس منه ومن وجهه الشاحب، لسبب غير واضح بالضبط. سأله عن اسمه، فأجابه. ثم سأله عن صحّته، فاستغرب السائق السؤال واكتفى بالابتسام. ربما لم يألف هذا النمط من الأسئلة. عندما لاحت علامات الغرابة على وجهه، طلب منه الشرطي عندها أن يركن السيارة إلى اليمين، لمزيد من التدقيق والإجراءات.

الشرطي الآخر، الواقف إلى اليمين والمسؤول عن المتابعة، طلب الأوراق الرسمية للسيارة وما يثبت أن اللوحة العمومية قانونية. أعطاه إياهما السائق الشاب. ثم عاد وطلب رخصة القيادة العمومية. استلّ السائق من محفظته بطاقة، بدت أصغر من الحجم الاعتيادي لرخصة القيادة، وأعطاها للشرطي.

نظر الشرطي في البطاقة مليّاً كأنه يعرفها جيداً ثم نظر في وجه السائق الشاب قبل أن يطلب منه المضي في طريقه. لم تكن هذه البطاقة إلا بطاقة عسكرية للسائق الذي يحمل رتبة رقيب في قوى الأمن الداخلي، مثله كمثل الشرطيين على الحاجز.

ومعروف هنا، بحسب القوانين المعمول بها، أنه يمنع على الشرطي، كما يمنع على الموظفين المدنيين العمل في وظيفة ثانية غير وظيفة الدولة.

فهم السائق وحده الأسئلة التي دارت في رأس الراكب الجالس بالقرب منه، فصار يخبر وحده من دون أن يسأله: أعمل كشرطي على الدوام من الصباح حتى فترة بعد الظهر. أذهب إلى المنزل لأرتاح ساعتين ثم أتابع يومي سائقاً لسيارة الأجرة التي لا أملكها. أقود حتى منتصف الليل أو أكثر أحياناً. راتب الدولة لا يكفيني. أدفع نصفه قسطاً للمنزل الذي اشتريته عبر الإسكان. أنا وزوجتي لنا طفلان في الحياة، أحدهما في مدرسة خاصة.

ثم تابع: زوجتي لا تطلب إلا الضروري. مع ذلك لا أملك القدرة على تأمين كل شيء. هذا شعور لن تفهمه إلا إذا كنت مسؤولاً عن عائلة. شعور الخذلان، وقلّة الحيلة، والغضب من كل شيء. والأمر لا يحصل معي فحسب. ستجد شرطيين سائقي أجرة، وعمّالا في مواقف، وأجراء في مهن أخرى. ماذا يمكن للمرء أن يفعل أكثر كي يعيش؟

ذات مرّة عرفوا في المديرية بأحد رجال الشرطة الذي يعمل في وظيفة ثانية، يتابع مستطرداً. استدعاه فرع المعلومات للتحقيق. سأله الضابط المسؤول عن السبب. لم يملك إلا كلمتين. قال للضابط: لأنني لا أريد أن أسرق. ارتبك الضابط وصار يهزّ رأسه. ربما شعر بالخجل من السؤال، فطلب منه المغادرة. هذه قصتنا ببساطة، نحن حماة هذا النظام. هل فهمت الآن لماذا تسقط أنظمتنا بهذه السهولة؟

إقرأ أيضاً: تاكسي أبو سعيد
المساهمون