كيف حوسب "الإخوان"؟

03 يوليو 2014
+ الخط -

نشرت "رويترز" في أكتوبر/تشرين أول 2013، تحقيقًا بعنوان "القوة الحقيقية وراء ثورة الدولة في مصر"؛ يشير إلى أنّ القوة التي أدارت عملية الانقلاب، بداية من التظاهرات المفبركة وحتى إعلان قائد الانقلاب، ووزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي؛ هذه القوة هي أمن الدولة، أو المسمى الأمن الوطني، الجهاز صاحب السجل الأكبر من العمليات القذرة على المستويات كافة، ولعل الوثائق التي خرجت من قلاع الجهاز المنتشرة في مصر، عقب حوادث اقتحامها بعد ثورة 25 يناير كافية لتوضيح الصورة.
ولا يشير تحقيق "رويترز"، فقط، إلى تورط "الداخلية"، بشكل أساسي ومحرك، في انقلاب 3 يوليو، لكنه، أيضًا، يضع يده على حالة عدم الرضا، ثم الغضب من ضباط الشرطة، برتبهم المختلفة تجاه الرئيس محمد مرسي، وجماعته الحاكمة، والذي وصل إلى استنكارهم العمل تحت إمرة "إرهابي"، في إشارة مباشرة إلى مرسي.
التحقيق فسّر وشرح، وذكر أحاديث مصادره، ولكن، بالنسبة لأي مطلع ذي عين للمشهد، قبيل الانقلاب، يدرك، مباشرة تورط "الداخلية"، ودورها المشبوه في الحوادث التي سبقت الانقلاب، منها خصوصاً الحرائق والاقتحامات المكررة لمقار "الإخوان" في المحافظات، والتي تورطت "الداخلية" في معظمها بشكل غير مباشر، ما دعا أعضاء الجماعة، في هذه المحافظات، إلى الإشارة إلى الشرطة، كونها المتهم الأول في الاقتحامات.
كان الأمر واضحًا، ولا يحتاج حتى أن يشير إليه أحد، لافتًا انتباه الحاكم وجماعته، وعلى الرغم من ذلك لُفِتَ، وباكرًا؛ انتباه الحاكم وجماعته إلى الخطر الذي تمثله الداخلية، وسيطال أول ما يطال "الإخوان"؛ فتحت عنوان "الداخلية ومحاولة إحياء الموتى"، عملتُ ضمن "مجموعة الجنوب" على أطروحة متكاملة حول "الداخلية"، تتعرض للإشكاليات المؤسسة للجهاز، وتطرح مقترحات لإعادة الهيكلة، بصورة جذرية، وكان الشعار "الحل هو الحل"، أي حل الجهاز، وإعادة بنائه بما يتناسب مع الظرف الذي فرضه الخطاب الجديد، عقب إسقاط ما بقي من تجليات الخطاب الأمني يوم 28 يناير/كانون الثاني 2011.
تمّت الأطروحة المعززة باستقصاءات واستطلاعات للرأي، وقدّمت لواحدٍ من مستشاري مرسي المتنفذين في قصر الرئاسة، وقصر الجماعة، أو، بالأحرى مكتب إدارة قصر الجماعة، وفضلًا عن مستشار الرئيس، قدّمت لغير واحدٍ من قيادات الجماعة المتنفذين، أو أصحاب المتنفذين. كان هذا تقريبًا بين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشربن الأول 2012، وقبل أن تُطبع الأطروحة في كتاب عرض في المكتبات، فترة وجيزة، قبل أن يسحب منها عقب الانقلاب، وكان بالعنوان نفسه "الداخلية ومحاولة إحياء الموتى".
صدر عن جماعة الإخوان، أو عن قيادتها بيان واحد يحمل وجهًا اعتذاريًا، حُددّ في موقفهم من تظاهرات شارع محمد محمود الأولى، وكان لهم فيها موقف مشهور بالرفض المفزع الذي وصل إلى حد التطاول على لسان قيادات وكوادر، فضلًا عن القنوات الإعلامية المختلفة المحسوبة عليهم، وعلى الرغم من أنّ البيان أفاد بأن الجماعة أخطأت في اتخاذها مسارًا "إصلاحيًا"، إلا أنّه، أيضًا، لم يتطرق إلى أنّه كان ضرورياً، في المقابل، اتخاذ مسار "جذري"، وفضّل، بدلًا من ذلك، استخدام مصطلح "تطهير"، باعتباره يشير إلى ما كان مفترضًا أن يقوموا به. لا ندري إن كان قد خانهم التعبير، عندما استخدموا مصطلح "تطهير"، بدلًا من أي مصطلح قد يشير إلى التعامل الجذري، أم لا، ولكن ذلك أيضًا لن يغني عن السؤال: هل هذا ما نتوقعه اعتذارًا منكم قيادة الإخوان؟
وأشير هنا، إلى أن موقفي ثابت من الانقلاب، واعتبره موغلاً في الدّم، موغلاً في بطلانه، وأقف موقف العداء منه، كما أقف موقف العداء مع الساكت على جرائمه، لأي سبب، وتحت أي مبرر. وحين أتحدث عن الجماعة، أتحدّث تحديدًا عن القيادات ومصدري البيانات، ومن بيدهم أمر الموقف السياسي، وعيوننا تراقب الشباب، وقلوبنا معهم هؤلاء المنتفضين بحق، والذين نزعوا الانتماءات غير المجدية، وهبّوا ضد داخلية بلطجية، وعسكر مجرمين، ولحرية وكرامة إنسانية.
وفي بيان صدر عنه، أورد الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمود حسين، في 9 أبريل/نيسان 2014، شهادات عن سلامة موقف الإخوان تجاه العنف وابتعادهم عنه، وهو الأمر الحقيقي، ويجب توجيه الشكر لهم عليه، إذ حالوا دون الانجراف إلى عنفٍ، كان يمكن اندلاع شرارته بين لحظة وضحاها وبسلاسة غير متوقعة. ولكن، من الشهادات التي أوردها، واحدة أصابتني بالارتياب، بخصوص موقفهم من شقائق المحنة من الجماعات الإسلامية الأخرى، غير حزب النور، وهي لوزير الداخلية الأسبق، حسن الألفي، ويشهد فيها بأنّه لا علاقة لـ "الإخوان" بأعمال العنف التي ترتكبها جماعات وصفها بـ"الإرهابية"، ونقلها الأمين العام للجماعة من دون حتّى أن يعلق تعليقًا رافضًا للتوصيف.
محمود حسين، وبعد مجازر وحشية، كوصف أدنى لما حدث بها، وبعد عدد مهول من القتلى والمعتقلين والمطاردين، يهمه أن يذكر شهادة وزير داخليةٍ، اشتهر بغشمه وغشم آلته القمعية، ليظهر للعالم أن الإخوان جماعة "سلميتها أقوى من الرصاص"، وإن أدّى ذلك إلى تشويه حليفٍ له في بيانٍ صادر في خضم محنة حقيقية، ولعل هذه الطريقة في التعامل مع غيرهم، وإن خالفهم، كانت السبب في أن ينشق عن صف تأييدهم رموز إسلامية، كناجح إبراهيم وكمال حبيب، وأخيراً عبود الزمر بعد تصريحاته إنّ "مرسي لا ولاية له"، وإنّ مشروع "المصالحة بالدية" الذي ذكرت وسائل إعلام دراسة شيخ الأزهر له، هو الحل الأفضل!
وفي بيان آخر، صدر عن جماعة الإخوان المسلمين، في 25 يناير/كانون ثاني 2014، بعنوان "رسالة من الإخوان المسلمين إلى الشرفاء من رجال الشرطة"، أشارت فيه إلى ثقتها في وجود من أسموهم "الشرفاء" في جهاز الشرطة، وأنهم يتألمون لما يصيب الشعب على يد المفسدين، بحسب البيان.
مرة أخرى، يصر "الإخوان" على الاتكال على وهمٍ.