أيّها الإخوان: بيان للمراجعة فتفكروا

02 يوليو 2014
+ الخط -


في إحدى الاجتماعات التي جمعت ممثلي قوى سياسية وحزبية مصرية، في مدينة المنصورة، لمناقشة شكلٍ تنسيقي بين القوى لمتابعة ملفات المائة يومٍ الأولى في رئاسة الدكتور محمد مرسي، وأمام اقتراحات قدمها ممثل جماعة الإخوان المسلمين، من نوع تكوين جمعيات أصدقاء الشرطة، وما إلى ذلك، أصبحت الصورة أكثر وضوحًا، فالتنظيم البورجوازي يفكر، كممثل أصيل لطبقته التي سترفض أفكار التغيير الجذري.

لا شكّ أنّ "الإخوان" كانت لديهم رؤيتهم للإصلاح، ضمن منظومة ما وُرث، فالعقلية داخل أكبر الجماعات السياسية في مصر لا تستطيع، حقًا وصدقًا، قبول أفكار على شاكلة إعادة هيكلة وزارة الداخلية، أو حتى أنّ اللواء الذي رقّي فريقاً، وعيّن وزير دفاع في عهد رئيس منتخب من جماعتهم؛ قد ينقلب عليهم. وقتها، كانت هذه مجرد هواجس لم يفكر فيها عصام العريان.

ماذا فعلت الداخلية المصرية في عهد مرسي؟

مئات من حالات التعذيب والقتل في الأقسام، فضلًا عن أخرى في الشوارع، سياسيًا مرسي ونظامه الحاكم مسؤول مسؤولية كاملة عن تلك الجرائم التي غضّ الطرف عنها، كما غضّ الطرف عن مطالب الأطباء، وكما غضّ "الإخوان" الطرف عما حدث للمواطن محمد فهيم، والذي سحلته الشرطة في المنصورة.

عقب تلك الحادثة التي وقع فيها الاعتداء على محمد فهيم، وفي إطار تنسيقٍ كان حاصلًا على مستوى ما بين المجموعات السياسية في المنصورة، تمت الدعوة إلى التصعيد، على إثر هذه الحادثة، لكن الإخوان لم يستسيغوا فكرة أن ننظم وقفةً احتجاجيةً أمام مديرية الأمن في المنصورة، مطالبةً بفصل الضابط المسؤول عن الحادثة، وإحالته إلى التحقيق.

الضغط الذي مارسته مجموعات عدة لم يكن في صالح "الإخوان"، وكان مفترضاً أن يمثلوا بالوقفة بعددٍ من أعضائهم، ففي النهاية "الإخوان" تنظيم كبير، ووجوده مؤثر.

في الوقفة ذات الشعار المحدد جدًّا؛ "الداخلية بلطجية"، حضر متأخرًا ممثلٌ عن حزب الحرية والعدالة. سألته عن شباب الجماعة، أو الحزب المفترض وجودهم، قال لي: "اعتبرهم موجودين"، أخبرته أنني لا أرى أحدًا منهم، "إلا لو كنت تقصد نفسك"، ابتسم وأكمل سيره كمتفرج، ذهبت إليه، وأخبرته أنّه إذا لم يحضر الآن ما لا يقل عن عشرة من الجماعة/الحزب للمشاركة في الوقفة؛ فالصحافة بانتظارنا و"سنقول كل شيء"، ضحك، وقال ما معناه: "قول اللي عاوز تقوله، واحنا نقول اللي عايزين نقوله". لكن، لاحقًا تواصلت معنا قيادات من الحزب لتدارك الموقف وعلاجه.

لم يكن "الإخوان" فقط مسؤولين عن بلطجة "الداخلية" باعتبارهم النظام الحاكم، لكنهم غضوا الطرف عنها أيضاً، فسوء التصرف أجرم من التواطؤ، وكذلك سوء التقدير، ففي عهد الرئيس مرسي، وفضلًا عن المعدات العسكرية الجديدة التي أدخلت للجهاز الشرطي، وعلى رأسها، طائرات الهليكوبتر التي دخلت الخدمة في الجهاز الشرطي أول مرة في مصر. أيضًا في عهد مرسي، زادت مرتبات الشرطة، بالقرار الوزاري رقم 25 لعام 2012، والصادر عن وزير الداخلية آنذاك، أحمد جمال الدين.

لا ننسى أنّه ثمّة زيادة أخرى في مرتبات الشرطة، قبل تولي مرسي الرئاسة، وكانت بموافقة مجلس الشعب الذي كان حزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، يسيطر على أغلبيته. كانت الزيادة بقانونٍ عرف باسم قانون هيئة الشرطة الجديد، صدّق عليه المجلس العسكري، ووافق عليه مجلس الشعب.

أيضًا مما يذكر، أنّه، وحسب مركز النديم لحقوق الإنسان، فإن المائة يوم الأولى من عهد مرسي، والذي جعل ضمن الملفات التي وعد بإنجازٍ فيها في هذه المائة يوم؛ ملف الأمن، حيث يذكر مركز النديم أن حالات التعذيب المرصودة في هذه المدة وصل إلى 88 حالة، بعضها حالات تعذيب جماعية، فيما بلغت حالات هتك العرض سبعاً، معظمها بحق الرجال والقصّر، في حين رصد التقرير 12 حالة على الأقل من إطلاق النار على مواطنين من الشرطة.

نتحدث، هنا، عن المائة الأولى في عهد مرسي، وعلى الرغم من ذلك، لم يرَ "الإخوان" الأزمة، فثمّة إشكالية، الأساس فيها أنّ الحاكم هو المسؤول، أولًا وأخيرًا، عما حدث، إذ سُيذكر أنّ ذلك حدث في عهد الرئيس محمد مرسي، وسواء كان ذلك رغمًا عن "الإخوان" أو برضاهم، تبقى تلك جرائم مقترفة بحق المصريين، على يد جهازٍ من أجهزة الدولة التي كان يحكمها الإخوان.

على الرغم مما حدث في سابق عهد الإخوان، وفي عهدهم؛ من انتهاكات صارخة من وزارة الداخلية وأفرادها، وإدارة هذه الوزارة والعاملين فيها شبكات فساد متعددة المستويات، من فساد ضخم متشابك ومتداخل، على رأسه المخلوع حسني مبارك، ويدير حمايته وزير داخليته، إلى فساد على مستوياتٍ أصغر؛ معظمها من نوعية الأعمال القذرة التي يتورط فيها ضباط شرطة. على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من أنّ وصول "الإخوان" إلى الحكم كان عقب ثورةٍ، طالبت، أوّل ما طالبت، بإسقاط رأس جهاز الأمن المنتهك كل حقّ أساسي؛ حبيب العادلي، ورفعت مطلب إعادة هيكلة الداخلية، لكن "الإخوان" تجاهلوا الأمر وأهميته، وإن كانت لهم رؤيتهم للتعامل معه، فقد كانت بمثل نموذج جمعيات أصدقاء الشرطة، فضلًا عمّا تردد حقًا من صفقةٍ ما، مبرمةٍ بين "الإخوان" ووزارة الداخلية.

ليس بالضرورة اتهام "الإخوان" بالتورط أو التخطيط لهذه الانتهاكات، لكنهم تجاهلوا جرائم أجهزة الداخلية، خصوصًا مع كثرة إشارة منظمات حقوقية إليها، ومجموعات سياسية مهتمة بالملف الأمني، مع كثرة الأطروحات المقدمة والمؤكدة على الخطر الداهم الذي يمثله وجود مثل هذا الجهاز بمثل هذا الشكل، في دولة ما بعد الثورة، ونظام ما بعد الثورة، عقب استحقاق ديموقراطيٍّ، هو الأول في تاريخ الدولة المصرية.