كوكب الناطور: "أمي ألقت بأختي في البلّان الشوكي"

11 مايو 2020
لم تتخلّ عن حلم العودة (العربي الجديد)
+ الخط -
كان خروج كوكب الناطور من فلسطين قاسياً. ثمة تفاصيل لا تُنسى. لم تعتد العيش في لبنان، وما زالت تحلم بالعودة

"يوم خرجنا من فلسطين، لم تكن أمي تستطيع أن تحملني أنا وأختي. حينها، كنت أبلغ من العمر سنتين ونصف السنة، فيما كانت شقيقتي تبلغ من العمر شهراً واحداً. في أثناء سيرها شعرت بالتعب، فألقت بأختي بين أعشاب البلان الشوكي، وسارت بي وحدي إلى الجنوب اللبناني. وضاع أبي بينما كنا نهرب، ولم نعد نعرف مكانه (وجدناه لاحقاً). صودف أن مرّ رجل في المكان حيث ألقت أمي بأختي، فسمع صوت بكاء. انتشل أختي من بين أشواك البلان، وما إن وصل إلى المكان الذي كنا فيه، وسأل عن أهل الطفلة، حتى استعادتها أمي منه". هي الحاجة كوكب الناطور من مواليد بلدة السميرية في فلسطين. وبعد خروجها من فلسطين مع أمها وشقيقتها، وصلت إلى مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا (جنوب لبنان).

يوم الخروج من فلسطين حمل الرجل شقيقتها ليساعد أمها. وفي لبنان، ارتاح الناس في محطات عدة من دون المكوث طويلاً. بقي الناس يسيرون حتى وصلت إلى منطقة التعمير في صيدا. في المنطقة، "نصبت لنا خياماً عشنا فيها. لكنّني مع كل هذا لم أتعلم، ولم أدخل المدرسة، علماً أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أعدّت شوادر لتكون مكاناً لتعليم التلاميذ الفلسطينيين". تذكر أنّها حين كانت صغيرة، انتقلت وعائلتها للعيش في مزرعة يملكها طبيب يدعى رمزي، حيث عمل والدها في الاعتناء بالأرض، وحصلت العائلة على مسكن". تتابع: "عشنا في تلك المزرعة سبع سنوات، انتقلنا بعدها إلى منطقة مغدوشة (جنوب لبنان)، وصرت وشقيقتي نعمل في البساتين ونقل الرمل والحجارة إلى ورش البناء، لنساهم في تأمين احتياجات العائلة اليومية. أنجبت أمي في لبنان خمسة صبيان وابنتين، وكنا نعمل جميعاً من أجل تأمين لقمة العيش".

بعد مغدوشة، انتقلت العائلة إلى مخيم عين الحلوة. عمل الوالد في بستان في منطقة العاقبية، وكان يذهب ويعود من عمله على دراجة هوائية. في أحد الأيام، صدمت دراجته سيارة. "كنت حينها في الثانية والعشرين من عمري، ومخطوبة. نقل والدي إلى مستشفى في بيروت، لكنه ما لبث أن فارق الحياة".

بعد وفاة والدها، تزوجت كوكب لتعيش في مخيم عين الحلوة مع زوجها. "كان زوجي يعمل في محل لبيع الحلويات، لكن دخله لم يكن يكفينا، فقد أنجبت ثلاثة صبيان وابنتين. الصبيان نزلوا إلى سوق العمل وتعلموا مهناً ساعدتهم على تأمين لقمة عيشهم. أما الفتاتان، فدرستا حتى الصف التاسع الأساسي، وهو ما كان متاحاً للفلسطينيين في مدارس أونروا، ولم يكن في إمكاننا مساعدتهما لمتابعة تعليمهما في المدارس الرسمية اللبنانية بسبب ضيق حالنا. لاحقاً، مرض زوجي وتوفي".

بعد موته، افتتحت كوكب محلاً لبيع الألعاب في المخيم، لتتمكن من تأمين مصاريف البيت، حتى بات أطفالها قادرين على الاعتماد على أنفسهم. "صحيح أنني كنت أعيش من المحل أنا وابني، لكن تراجعت نسبة المبيعات خلال هذه الظروف الصعبة ولم يعد يكفينا، فتركته لابني لأنني لم أعد قادرة على العمل".



في الوقت الحالي، تعيش الحاجة كوكب في بيتها، تنتظر أن يرد لها المستدينون أموالها لتعيش منها. أما أولادها، فلا يستطيعون إعالتها بسبب أوضاعهم الاقتصادية الصعبة، وإن كانوا يقدمون لها القليل من المال أحياناً. تتمنى كوكب العودة إلى فلسطين. تقول: "حياتنا هنا كانت صعبة جداً، والمدخول المادي قليل، وبالكاد كنا نأكل فقط بما نحصل عليه من دخل".
المساهمون