العالم العربي وأميركا اللاتينية توأمان!
كلُّ ما في الأَمرِ أَن أميركا اللاتينية تسبقنا زمنياً، لذلك كلُّ ما يحدث فيها، يحدث لدينا بعدها بفترة زمنية. وكل دولة لاتينية هناك دولة عربية تشبهها. والآن عليّ أن أعرف ما هي الدولة العربية التي تشبه "كوبا"؟
سأصف لكم الشعب الكوبي، تاركاً لكم تحديد توأمه العربي:
الكوبيون لديهم تلك الثقة العالية، بأنهم أفضل الأفضل: أطيب طعام، أجمل شواطئ، أفضل موسيقى، أجمل نساء...إلخ. وهم يدّعون هذه الأفضلية دون أن يكلفوا أنفسهم تجربة ترابٍ/توابل/جغرافيا جديدة. يعتقد الكوبيون دائماً أن كوبا هي محور العالم وأن العالم كله يدور حول كوبا، وأن أميركا لا تستطيع النوم بسبب كوبا. ويتميز الكوبيون بخفة الدم وسرعة الكلام، لذلك فهم يضيفون إلى مرارة الحياة جرعات من الفكاهة، تجعل طعم الحياة مستساغاً. وأخيراً فإنهم مستعدون للإفتاء في أي موضوع يجهلونه، والإجابة عن أي سؤال لا يعرفونه، بطريقة مدهشة وبتسلسل موضوعي مقنع ومضحك! إن أكبر صفعة يمكن أن توجهها لسائق تاكسي في هافانا أن تقول له: أنت لا تعرف طرق هافانا، يبدو أنك جديد على المدينة!
باختصار، يكاد يقول لك الكوبي إن كوبا هي "أم الدنيا"!
***
أكثر ما يغيظني في هافانا هو تلك النظرة للسائح. فهو في أعينهم عبارة عن "دولار" له رجلان! فهم يفكرون دائماً في كيفية استغلالك والحصول على مالك. ويرجع ذلك لسببين:
الأول: لأنك بكل بساطة مصدر الدخل الوحيد بالنسبة لهم. لأن النظام الاشتراكي يمنع المواطنين من أي مصدر دخل غير ما توفره له الحكومة.
الثاني: أن الحكومة ابتدعت فكرة الدولار السياحي، ويسمونه الكوك، حيث يدفع السائح قيمة كل الأشياء بالكوك، وهو ما يعادل أربعة أضعاف الدولار الكوبي. لذلك فإنك تدفع للتاكسي المبلغ نفسه الذي يدفعه المواطن، لكن بالكوك، وبذلك تدفع أربعة أضعافه.
لذا فإن الناس هنا سهلون ومنفتحون ومرحون، لكن سرعان ما ينقلب الأمر إلى مصلحة مالية، صحيح أن المبالغ أو الخدمات التي يطلبونها صغيرة، لكني لا أحب فكرة "التسول" بين الأصدقاء.
وبعد مرورأسبوع، تعرفت على رحالة هولنديين مضى على وجودهم عدة أشهر في هافانا، بعضهم يتعلم اللغة وبعضهم يتعلم الرقص. وعرفوني على شاب كوبي اسمه، رينو، أصبح صديقنا. هذا الشاب يعيش في لندن، ويتقاضى راتبه بالباوند، فلا حاجة له بأموالنا. كان مرحاً خلوقاً ومعجباً بفتاة هولندية كانت ضمن المجموعة. وأثناء خروجنا من أحد المطاعم، مررنا بجانب رجال شرطة، رحبوا بنا وسألونا من أي البلاد نحن، فأشار شاب هولندي إلى رينو قائلاً:
- هو من كوبا!
امتقع لون رينو، أخذه شرطيان على انفراد، وطلبا منا أن ننصرف فوراً، إلا أننا وقفنا نحاول أن نفهم ما يحصل، همس لنا شاب هولندي قائلاً:
- القانون الكوبي لا يسمح للمواطنين بمخالطة الأجانب.
- لكن لماذا؟
- هم يدّعون أنهم يفعلون ذلك حفاظاً على أمن وسلامة السياح، ولكنهم في الوقت نفسه يمنعون شعوبهم من الانفتاح ومعرفة ما يجري في العالم الخارجي.
وفي خلال دقائق، اقتاد الشرطة رينو إلى سيارتهم، حيث أودع في السجن لمدة ثلاثة أيام بتهمة "مخالطة السياح"! أدركت سر أمان كوبا من هذه الحادثة، فالبلد آمنٌ جداً، أكثر أماناً من أية عاصمة أوروبية، والسبب هو انتشار الشرطة، ومنع الشعب من التحدث مع السياح، وأدركت أن نسج الصداقات في هذا البلد سيكون صعباً.
***
الشيء المريح والمتعب، في كوبا، هو ندرة الإنترنت. والأشخاص الذين يمتلكون اتصالاً بالنت، هم على الغالب يعملون في وظائف تتطلب الإنترنت، لذا لا يوجد فيها مقاهي إنترنت. وحينما سألت عائلتي الكوبية عن الإنترنت، دلتني على بيت مهندس يعرفونه، زرته في منزله، واتفقنا على مبلغ دولار سياحي (كوك) لكل نصف ساعة إنترنت. أدخلني غرفة صغيرة، فيها كمبيوتر يعود إلى العصر الأموي، ويعمل بتقنية Dial Up حيث تشتغل الصافرة لعدة دقائق قبل أن يفتح النت! كان عليّ أن أختار وقتاً يتناسب مع توقيت الخليج، لكي أتكلم مع عائلتي وأصدقائي عن طريق المسنجر!
هذا التخلف التقني قد يبدو متعباً، لكنه في الواقع كان مريحاً لذهني وجسدي، ويمنحك القدر الكافي من العزلة لتندمج أكثر مع المجتمع اللاتيني.
لمتابعة الجزء الأول اضغط هنا
*حساب الكاتب على أنستغرام @Q8BackPacker
*الكويت