كنا 30 شخصاً

18 فبراير 2015
سنظل نناضل من أجل تحقيق ما خرجنا من أجله(أ.ف.ب)
+ الخط -

الساعات الأولى من الصباح، المكان مدينة بنغازي، التاريخ 17 فبراير/شباط سنة 2011، بالقرب من محكمة شمال بنغازي. خرجت وكلي أمل في أن أحدث تغييرا في بلادي، وفي الواقع المرير الذي يعيشه الشباب في وطني، وفي كل أنحاء أرض الأمة العربية، كان الأمل يدفعني إلى التغيير للأفضل.

خرجت بصحبة عدد بسيط من أصدقائي، وتجمعنا مع بقية الشباب بالقرب من ساحة التحرير، بدأ العدد يتزايد شيئا فشيئا، في البداية، ولمدة 4 ساعات، كان العدد لا يفوق 30 شخصا من جميع التوجهات، ولكن أغلبهم كان من الشباب، بدأنا في الهتاف بصوت واحد، لكي يتجمع الناس لنحشد أكبر عدد من المتظاهرين، بعد ساعات أصبح العدد يتزايد، أصبح الناس بالمئات، ثم بالآلاف. ولم يكن أحد يصدق أننا فعلنا ذلك، ولأول مرة في بلد لم نذق فيه طعم الحرية يوما، كان الشباب فرحين، وقد تجمعنا من أجل هدف واحد، هو إنهاء الحكم الدكتاتوري، وتحصيل حكم رشيد يحفظ للمواطن كرامته، ويضمن له حقه، ويحمي حريته، بدأت الثورة تخطو خطواتها الأولى في طريق التغيير المنشود، بدأت تتحول من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة، استمرت الثورة المسلحة لمدة 8 أشهر، وقد فقدنا شبابا كنا نعدهم لبناء ليبيا التي نحلم بها، ولكن رغم كل التضحيات استمر الشعب الليبي باتجاه نيل حريته، وبالفعل استطاع إسقاط أكبر دكتاتورية في العالم، والتي دامت لمدة 42 عاما من الظلم والقهر، وكان ذلك في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2011، وتنفس الشعب الليبي نسائم الحرية، وبدأ الأمل في أن نبدأ بناء الدولة، فالثائر (هو من يثور ليهدم الفساد، ثم يهدأ ليبني الأمجاد)، كانت السنة الأولى بعد الثورة تسير بشكل جيد، ثم بدأنا نرى بعد ذلك التجاذبات السياسية والتدخلات الخارجية في بلادنا، أصبحت السيادة الليبية مهددة، وتصدر المشهد للأسف من جاؤوا من الخارج لكي يستلموا زمام الأمور، كنا نرى فيهم خيرا وأعطيناهم الثقة، ولكن للأسف كل منهم كان قد أتى بأجندته الخاصة، وعدد كبير منهم لم يكونوا يحملون هم الوطن والمواطن، إلا من رحم ربي وهم قليل جدا، وبدأ تهميش الشباب وإبعادهم عن المشهد، وللأسف أبعد الشباب عن المناصب السيادية وعن مراكز الحكم في الدولة، مما تسبب في أن يجد الشباب أنفسهم بعد نهاية الحرب في صراع مع الواقع المرير الذي وجدوه بعد تحريرهم للوطن من الحكم السابق.

هذا كله أدى إلى أن تتشكل الكتائب والجماعات المسلحة، التي كانت تضم شبابا كل همهم حماية الوطن والمواطن، لكن لم يجدوا من يأخذ بأيديهم لكي يتم بناء جيش قوي ولاؤه للوطن، يكون مثالا مشرفا أمام كل العالم، بدأت بعد ذلك أيدي الشر تدخل بين أبناء الوطن لتنشر الفرقة والنزاع والخلاف بين أبناء الوطن الواحد، فدخلت البلاد في فوضى عارمة من الصراعات المسلحة التي تغذيها الأيادي الآثمة، واستمرت حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه المقالة، ولو أن أحدا سيسألني اليوم عن واقع الشباب في هذه الثورة، فسأقول له إن الشباب لم يحققوا حتى الآن ولو 15% من أهدافهم التي خرجوا من أجلها، ولكننا سنظل نناضل من أجل أن نحقق ما خرجنا من أجله، ولن نترك بلادنا تدور في حلقة مفرغة، وسيكون للشباب الليبي دور كبير في بناء الوطن، كما كان لهم دور في تحريره، والقادم سيكون أفضل.

(ليبيا)

المساهمون