كل عام وأنتن ثائرات

12 ديسمبر 2019
من مسيرة الأمهات في لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -
الذكورية والتسلح والرأسمالية والعنصرية والتمييز والأبوية كلها باتت في واجهة الخطابات النسوية في المنطقة العربية. لم تعد حقوق النساء تتم في جزيرة منفصلة عن جملة الحقوق الأخرى. كما لم تعد تتم بمعزل عن تقاطعات وتشابك السياسات الاقتصادية والشؤون السياسية والأمنية والعسكرية والعوامل الذكورية والثقافية.

كان عام 2019 عام استكمال الثورات العربية. من الجزائر، مروراً بالسودان، فلبنان والعراق، شكلت النساء والمطالب النسوية جزءاً أساسياً من المطالب الشعبية التي نظرت إلى القمع وسوء استخدام السلطة والفساد وانعدام الديمقراطية بنظرة نسوية تقاطعية. لم تقتصر مشاركة النساء في هذه الثورات على وجودهن في الساحات وحسب، بل كانت النساء محركاً أساسياً وبارزاً في تشكيل هوية هذه الثورات ومطالبها. ربما كان تدهور الوضع الاقتصادي العامل الأبرز في شعارات الثورات التي انطلقت في معظم هذه البلدان، خلال العام 2019، لكن سرعان ما باتت المطالب الحقوقية النسوية جزءاً من المطالب الشعبية.

يمكن، من خلال النظر إلى أحداث هذا العام، الخروج بملاحظتين حول تقاطع السياقات المطلبية الشعبية مع المطالب النسوية:

أولاً، بمقارنة ثورات اليوم بالموجة الأولى من الثورات في العام 2011، نجد أن المطالب الأبرز حينها كانت "كرامة وحرية وديمقراطية". كانت تلك المطالب فضفاضة جداً وغالباً ما تم تحييد مطالب حقوق النساء عن الصورة العامة. أما اليوم، فيمكن أن نسمع في الشوارع مطالب نسوية ملموسة مثل حق منح النساء الجنسية لأسرهن في لبنان، أو المطالبة بالمساواة الجندرية وإزالة القيود الثقافية والاجتماعية والقانونية عن النساء في السودان، أو مكافحة التحرش الجنسي ومحاربة القمع في العراق. لا يمكن الحسم ما إذا كانت هذه الموجة الثانية من الثورات قد أخذت أبرز الدروس المستفادة من سابقاتها، ولا يمكن عزل العديد من العوامل الموضوعية ذات البعد التراكمي التي ساهمت بهذه النتيجة.




ثانياً، تمكن الإشارة إلى أن المطالب النسوية مع الثورات هذا العام خرجت عن كونها شأناً نسائياً حصراً، تتم المطالبة بها ضمن أطر أو جزر نسوية خاصة أو في محافل معينة. المطالب النسوية باتت جامعة، وبات يمكن لمس آثار ونتائج الهياكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في تكريس أدوات التمييز والإقصاء والقمع الذكورية. بالنظر إلى الشوارع العربية الثائرة، تمكن مشاهدة خروج هذه المطالب عن كلاسيكيات وأدبيات الطروحات النسوية. بات يمكن مشاهدة وربط أثر السياسات الاقتصادية والرأسمالية وكلفتها على تكريس إقصاء النساء. كما بات يمكن النظر إلى تقاطعات الطائفية السياسية والفساد في لبنان، وأثرهما على حقوق النساء في المواطنة والأحوال الشخصية.

النساء الثائرات في وجه كل أدوات القمع والتمييز الهيكلية، يكتبن تاريخاً نسوياً جديداً للمنطقة. لكن جميعاً نقول: كل عام وأنتن ثائرات.
 
*ناشطة نسوية
المساهمون