كلية واحدة تكفي

01 مارس 2016
سامر أيضاً متمكّن من قواعد اللعبة (Getty)
+ الخط -

عند غروب ذلك اليوم الصيفيّ، كان سامر في مكانه المعتاد على مدرّج ملعب الضيعة، يتفرّج على رفاقه وهم يلعبون كرة السلّة. يقفز وينفعل ويصرخ... يسجّل أحدهم سلّة، فيقفز مهللاً. يتعثّر آخر، فينفعل ويصرخ ساخطاً. هو لا يشجّع فريقاً بحدّ ذاته، أعضاء الفريقَين من الأصحاب.

تنتهي المباراة، فينزل إلى أرض الملعب ويضرب كفّه الصغيرة بأكفّ الرفاق مهنّئاً، في حين "يزرّك" للخاسرين منهم. لا ضغينة. جميعهم من الأصحاب. ويتناقش "الشباب" الصغار - أكبرهم في الحادية عشرة - في تفاصيل المباراة.

سامر أيضاً متمكّن من قواعد اللعبة، لكن عن بعد. لا يفهم أكثر هؤلاء الأصحاب حقيقة الأمر. فقط، يعلمون بأنه "يغسل كلى"، من دون أن يفقهوا معنى ذلك. ولأنه "يغسل كلى"، فهو غير قادر على ممارسة النشاطات الرياضيّة المنهكة. لا يجوز أن يُنهَك. كذلك يعرفون جيداً - من دون أن يشيروا إلى ذلك حتى لا يحبطوه - أنّ قصر قامته، لا يسمح له بلعب كرة السلّة، حتى لو لم يكن "يغسل كلى". هؤلاء لا يدركون أنّ ما وراء غسيل كليتَيه هو سبب عدم نموّه مثلهم. هؤلاء لا يفطنون أنّ ثمّة كليتَين فقط في جسم الإنسان. أكثرهم لم يبدأوا في دراسة علوم الأحياء. أما سامر، فعلى دراية كبيرة بتركيبة جسده وبوظائف كلّ أعضائه الحيويّة. لا بدّ له من أن يفعل، ليتحمّل كلّ ذلك الألم وكلّ ذلك الوخز. لا بدّ له من أن يفعل، ليتفهّم قضاءه كلّ تلك الساعات الطويلة في المستشفى، موصولاً بأجهزة غريبة عبر أنابيب كثيرة.

في نهاية ذلك الصيف، لم يعد سامر يقفز وينفعل ويصرخ على مدرّج ملعب الضيعة. شغر مكانه المعتاد، لكنّه بقي محفوظاً له. حين يطيب، سوف يعود من دون شكّ ليملأ الفراغ الذي خلّفه بين الأصحاب. في نهاية ذلك الصيف، كان سامر قد حجز لنفسه مكاناً آخر.. في المستشفى. بعدما تدهورت صحّته، خضع لعمليّة زرع كلية. أخيراً، وجدوا متبرّعاً تتوفّر لديه الشروط المطلوبة. والدته. بعد سنوات ولحظات مريرة ظنّت خلالها أنها سوف تخسر وحيدها الصغير، تبيّن أنها قادرة على منحه واحدة من كليتَيها.. وأنقذت حياته.

كان ذلك في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. اليوم، لم تعد مباريات كرة السلّة تنظّم في الضيعة، في حين غطّت أعشاب طفيليّة مكان سامر على المدرّج. أما الصبيّ الصغير الذي كان يقفز وينفعل ويصرخ هناك، فقد شبّ وإن ما زال قصير القامة. شبّ وأغرم وتزوّج ورُزِق بصغيرة جميلة.

"احمِ نفسك وأطفالك من أمراض الكلى، استشر طبيبك". رسالة نصيّة قصيرة تلقّاها سامر أمس، كما باقي اللبنانيّين. الجمعيّة اللبنانيّة لأمراض الكلى وضغط الدم بدأت حملتها بمناسبة اليوم العالمي للكلى.

اقرأ أيضاً: خلود وكريم
المساهمون