كريبع النبهاني: جزائريون يتساءلون

26 سبتمبر 2015
(مدينة أولاد جلّال عام 1910)
+ الخط -

خمسة أشهر مرّت على إطلاق اسم الفيلسوف الجزائري، كريبع النبهاني (1917 - 2004) على مكتبة صغيرة في مسقط رأسه، في مدينة أولاد جلّال في محافظة بسكرة (جنوب شرق الجزائر).

حينها، أثار الأمر استياء من يعرفون قيمة الرجل والذين اعتبروا أن ذلك لم يكن في مستوى صاحب "أفارقة يتساءلون" أو "تلميذ غاستون باشلر" بتعبير بعضهم، مؤكّدين أنه يُفترض إطلاق اسمه على جامعة أو مؤسّسة ثقافية كبيرة، وليس "مجرّد مكتبة بلدية".

لكن اليافطة التي تحمل اسم النبهاني، لم تعمّر طويلاً. قبل أيّام قليلة، تفاجأ سكّان المدينة بنزعها، بدعوى تحويل المكتبة إلى مقرّ للدائرة، دون أن يتّضح إذا ما كانت السلطات المحليّة قد أوجدت مكاناً بديلاً له، أم أن المدينة الصغيرة فقدت، إلى إشعار آخر، مكتبتها اليتيمة التي رفدت مشهدها الثقافي لفترة.

أثار الحادث استياء عدد من المثقّفين، معتبرين أن تغييب اسم النبهاني سلوكٌ جديد يُضاف إلى ما تعرّض له من ظلم وتهميش في بلده، في حياته وبعد موته.

على صفحته في "فيسبوك"، كتب الشاعر عبد العالي مزغيش: "ما كان ليحدث ما حدث، لو تجنّدت فعاليات المجتمع المدني في المنطقة وتحرّك مثّقفو المدينة لمنع ما يُمكن تسميته إهانةً في حقّ مثقّف كبير من طراز النبهاني. مهما كانت مبّررات نزع اللافتة، فإن المطلوب معالجة الخطأ والوعي بمكانة وقيمة رجل يستحقّ تكريماً أكبر وأكثر من لافتة لم تعمّر أكثر من خمسة أشهر".

من جهته، كتب عمر بوساحة، أستاذ الفلسفة في جامعة الجزائر: "حين أُبلغ ديغول باعتقال الفيلسوف جان بول سارتر بسبب مواقفه المؤيّدة للثورة الجزائرية، صرخ في وجه رئيس شرطة باريس قائلاً: أطلقوا سراحه على الفور أيها الرعاع. إنكم تعتقلون فرنسا، بينما يجد ساستنا سهولة كاملة في الإعتداء على روح هذه الأمة بتحييد رموزها الثقافية".

شدّد بوساحة على الأهمية الفكرية للنبهاني قائلاً: "لو تعلمون أيها السادة، إنه لا يقلّ أهمية عن جان بول سارتر"، مضيفاً "ليس سهلاً بالمطلق، ومهما كانت المبرّرات، أن نُغلق مكتبة تحمل اسمه. المدن والدول والحضارات تُعرف بمثقّفيها لا بإداراتها، وكريبع يمثّل روح مدينتكم. الجزائر لا تملك الكثير من كريبع النبهاني، فلا تجعلونا أضحوكة أيها السادة".

 وُلد النبهاني في أولاد جلّال وبدأ تعليمه في  مدرستها القرآنية ثم المدرسة الابتدائية في  بسكرة، قبل أن ينتقل إلى العاصمة، حيث  أكمل تعليمه الإعدادي والثانوي. وفي نهاية  الثلاثينيات، حصل على شهادة البكالوريا  من  "ثانوية لويس لوغرا" في باريس، قبل أن  يحصل على البكالوريوس في الفلسفة، خلال  الحرب العالمية الثانية.

 واصل دراساته العليا في "جامعة السوربون"  تحت إشراف أستاذه غاستون باشلار  والمستشرق لويس ماسينيون. حصل على  الدكتوراه سنة 1966، وكان موضوع  أطروحته "فلسفة الجمال". وجوده في باريس، جعله على صلة بمشهدها الفكري والفلسفي وعلى مقربة من أبرز أسمائه؛ مثل جون بول سارتر وأندريه جيد.

إضافةً إلى مساهماته في الصحف والمجلاّت، ترك النبهاني رصيداً كبيرا في الفلسفة والفكر والشعر. من أعماله "قصائد طفل" (1935) و"أحزان العربي" (1954) و"أفارقة يتساءلون" (1954) و"إنسان عالمي" (1966) و"إسلام واشتراكية" (1972) و"فلاسفة الإسلام" (1984) و"الخير والشر في مفهوم القرآن" (1984).

حاز النبهاني عدّة جوائز وتكريمات؛ منها "جائزة المثقّفين الفرنسيين" (1953) و"جائزة الأكاديمية الفرنسية" (1954).


اقرأ أيضاً: محمد سعيدي.. العرّاب يرحل بصمت

المساهمون