في كثير من الأحيان، وللحقيقة، لا يكون الكاتب العربي في الغرب مُطالَباً بجلد كبير للذات، أو بالمبالغة في السخرية من ذاته. الآخَرون، أي الغربيون، بمن فيهم المتحاملون على العرب، لا يطلبون منه ذلك. ولكن حب الشهرة عدوّ لصاحبه.
وإلا فما الذي يفسّر ما سقط فيه صحافي وكاتب مثل كمال داود، حين علّق على الأحداث المؤسفة التي عرفتها مدينة كولونيا الألمانية، فراح يتّهم العرب كلهم بالبؤس الجنسي، وكأنه ليس عربياً، أو كأنه الوحيد الذي استطاع النجاة من هذا التعميم القاتل؟
ولا إقدام مواطنه بوعلام صنصال على تخريب شامل لتاريخ بلده، الجزائر، والسخرية من حركة التحرير الوطني الجزائرية، والتذمر من أذان الفجر الذي ينغص عليه نومه الصباحي، وكأنه قادم من بلاد الفايكنغ؟
قبل أسبوعين أجرى الصحافي والكاتب الفرنسي فيليب لانسون في ملحق ليبراسيون الثقافي (السبت 4 حزيران/ يونيو)، لقاءً مع الكاتب العراقي علي بدر، اللاجئ في بلجيكا، بمناسبة صدور ترجمة فرنسية لإحدى رواياته.
كان ممكناً أن يظل الحوار أدبياً حتى يتعرّف القارئ الفرنكوفوني على خصوصية الكتابة العربية والعراقية. لولا أن الكاتب العراقي انزلق إلى مواضيع لا علاقة بها بالكتابة الأدبية، ولا بوظيفة الكاتب. إذ فجأة يظهر فيها "تفرده" فيكتشف: "وجود بلاغات عديدة في اللغة العربية. بلاغة المسلمين وبلاغات الآخَرين"، ويفسر هذا الأمر بكون "المسيحيين العرب ترجموا الكتاب المقدس بأسلوب مختلف تماماً عن ترجمة القرآن". وهنا يكشف لنا بدر أنه يُطوّرُ "أسلوباً يستلهم مسيحيين وأيضاً يهوداً، وهو ما يمنحني كثيراً من الحرية".
وهو ما يوصله إلى هذا التعميم عن الكتابة، فالعالَم الفكري العربي، اليوم، في نظره، محرومٌ، للأسف، من الخصائص التي تتوفر عليها كتابات أشعيا برلين والروائيين الأميركيين اليهود سول بلو وبرنار مالامود وفيليب روث، والتي يعشق فيها: "الإيقاع والفكاهة وذهنية النقد الذاتي والسخرية"..
وأخيراً يصل علي بدر في "جرأته" إلى مستوى آخَرَ، لم يكن مطلوباً منه، ولا هو بالمفيد في أي شيء، أمام الانتباه اليقظ للفرنسي فيليب لانْسون، الذي نجا، بأعجوبة من اعتداءات شارلي إيبدو، فيقول: "القرآن كِتابٌ غبيٌّ، كل شيء فيه معمولٌ لفصاحة الكلمة، ولا شيء (فيه) من أجل التفكير". هذا ما انتهى إليه العلّامة علي بدر في "تفسيره" للقرآن!