قَرَّن احتلال بلفور

01 نوفمبر 2017
(حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
يُقال قَرَّن الشيء، أي كَبُر حتى طلع له قرون، أو ربما لأنه بلغ من العمر قرناً زمنياً، أي مائة عام. في الشهر الجاري من العام 2017، قَرَّن الاحتلال الإسرائيلي، وقد بلغ عامه المائة منذ ميلاده بشهادة "بلفور"، التي وقعها وزير خارجية بريطانيا في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2017. وقَرَّن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بعد أن ظل الاحتلال الوحيد في العالم بعد نهاية ظاهرة الاستعمار التي اجتاحت العالم في القرون الماضية.

شهد القرن الأول من عمر الاحتلال الإسرائيلي، الولادة القيصرية لهذا الاحتلال بشهادة ميلاد بريطانية، ثم شهد تكريس الاحتلال كـ"دولة" عضو في الأمم المتحدة، وما تلى ذلك من تمدد الكيان الناشئ بعد احتلال كامل فلسطين في العام 1967، واحتلال أراض عربية أخرى خارج حدود فلسطين التاريخية، وصولاً إلى تطبيع العلاقات بين الكيان المُحتل ودول عربية. ثم كانت آخر فصول تثبيت الاحتلال باتفاق "أوسلو" الذي اعترف بإسرائيل واحتلالها، على أمل أعتراف الأخيرة ببعض الحق الفلسطيني، والانسحاب من فلسطين إلى فلسطين.

ودون الخوض في ثنايا قرن من الزمن، كانت سمته الأوضح، نكبات ونكسات وإخفاقات عربية متعاقبة، في مقابل إنجازات إسرائيلية على مختلف الواجهات السياسية والإعلامية والعسكرية، لا بد من الانتباه إلى القرن القادم، إذ تشير السنوات الأولى منه إلى ما هو أسوأ، مع موجة محمومة من الزحف العربي نحو التطبيع المجاني مع الاحتلال. بل إن المؤشرات الأولية تُنذر بأن بعض العرب قد لا يقفون عند حدود التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإنما الاتجاه إلى التحالف مع هذا الكيان، بعقد صفقة شاملة، يُروج لها تجارها بوصفها "صفقة القرن". ومع أن ما يُعرف عن "صفقة القرن" لا يتعدى الاسم الفني، إلا أن المقدمات لا تُبشر بنهايات طيبة، لا سيما أن طرح الصفقة المشبوهة جاء مباشرة بعد عودة الرئيس الأميركي من قمة الرياض، التي كان أول ثمارها دق "إسفين" في أساس البيت الخليجي.

قَرَّنت إسرائيل (أي بلغت 100 سنة) منذ الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1917 عندما كتب وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور رسالة إلى اللورد روتشيلد، أبلغه فيها بـ"كثير من السرور، أن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، ويبدو أن إسرائيل سوف تٌقرن (أي يطلع لها قرون) مع زحف المزيد من الأنظمة العربية إلى "البيت الإسرائيلي"، بعد هدم البيت العربي على رؤوس من فيه. وما بين وعد بلفور البريطاني في عام 1917، ووعد ترامب الأميركي في العام 2017، مرّ قرن كامل من الزمن، قَرَّن فيه المشروع الصهيوني، وتَقزّم عبره المشروع العربي.


المساهمون