شكل وعد بلفور المستند والمنطلق الرئيسي لعمل جميع لجان التحقيق ولجان المتابعة والحوار التي أقرتها حكومة الانتداب تحت ضغط الحركة الاحتجاجية والمقاومة أيام الاحتلال البريطاني، الذي رعى تشريع وتسهيل هجرة اليهود من مختلف أرجاء المعمورة إلى فلسطين، كما أشرف على الدعم المالي والعسكري لهذه الحشود من أجل تمكينها من بناء عصاباتها المسلحة القادرة على مجابهة المقاومة الفلسطينية.
ومن ناحية سياسية فقد عكس وعد بلفور ظاهرياً توجهات وسياسات المملكة البريطانية تجاه المنطقة وفلسطين خصوصاً، بينما عبر ضمنياً عن توجه ورؤى القوى الدولية الكبرى قاطبةً، وهو ما أثبتته الأيام والمواقف اللاحقة من قبيل الموافقة والصياغة الدولية لصك الانتداب البريطاني على فلسطين والذي تضمن التأكيد على مسؤولية الانتداب في إقامة وطن قومي لليهود وفقاً لما وعد به بلفور. كما جسد إقرار وتشريع القوى العظمى لقرار التقسيم 181 المقر في العام 1947 مدى تطابق رسالة بلفور أو وعده المشؤوم مع السياسات العالمية، وكأن بلفور ناطق رسمي باسم جميع القوى العالمية العظمى. وعليه واستناداً إلى مجمل الوثائق والمستندات الدولية سابقة الذكر، يمكننا القول إنها جميعا ساهمت في تكوين وعي شعبي عربي عن منطلقات ومحركات المجتمع الدولي اللانسانية وغير العادلة والإجرامية عموماً، ودون الحاجة للبحث كثيراً في سياسات وممارسات القوى العظمى والبريطانية ضمناً التي عملت وما زالت تعمل حتى اليوم على حماية وفرض وزرع الجسد الصهيوني في فلسطين وفي منطقتنا العربية، الأمر الذي ولد قناعة شعبية عربية باستحالة التعويل على أي تغيير في التوجهات العالمية تجاه منطقتنا العربية عموماً وتجاه القضية الفلسطينية خصوصاً، مما يعني ضرورة العمل على استنهاض الإرادة والفعالية العربية لاسترداد الحقوق المغتصبة.
غير أن مسيرة الاستنهاض والنضال العربية قد اصطدمت أيضاً بجملة من العوائق والمراوغات الرسمية العربية، فقد اعتدنا على المواقف والسياسات الرسمية العربية المتناقضة والمضللة تجاه القضية الفلسطينية، بما فيها مواقف القيادات الفلسطينية ذاتها، والتي تشير بمحصلتها إلى تماهي وانصهار التوجهات الرسمية العربية والفلسطينية في بوتقة السياسات الدولية. ومنها على سبيل المثال مطالبة الحكومة البريطانية بتقديم اعتذار رسمي عن وعد بلفور من قبل رئيس السلطة الفلسطينية، مما قد يوحي للبعض برغبة السلطة الفلسطينية في رفض ومعارضة وربما مقاومة وعد بلفور ومفرزاته السياسية والميدانية، إلا أن الموقف الرسمي والعملي الفلسطيني اليوم لا ينطلق فقط من الاعتراف الكامل بقرار التقسيم، بل يتعداه إلى الإيحاء بأن القيادة الفلسطينية هي المعنية الأولى وربما الأخيرة في تنفيذ هذا القرار الدولي، ليتم الفصل بصورة غريبة بين وعد بلفور وقرار التقسيم، على الرغم من جميع الشواهد والأدلة التي تشير إلى كون وعد بلفور هو الأساس والمرجع الرئيسي لهذا القرار خصوصاً، طبعا ودون أي إنكار لطبيعة وعد بلفور الضبابية بما يخص حدود الوطن القومي اليهودي الذي التزمت بريطانيا في تشييده، وبالتالي دون أي تلميح أو اعتراف أو إقرار بتشييد وطن فلسطيني مجاور أو مقابل في النص الحرفي للرسالة.
اقــرأ أيضاً
لذا ودون الدخول في الكثير من التفاصيل والحيثيات الفلسطينية والعربية المرتبطة بوعد بلفور وبقرار التقسيم لاحقاً، يحق لنا التساؤل عن الدوافع والمكاسب الفلسطينية الحقيقية المبتغاة من دعوة الحكومة البريطانية للاعتذار عن هذا الوعد الباطل، فهل هو ناتج عن تخوف القيادة الفلسطينية من تبعات ضبابية وعد بلفور سابقة الذكر فقط، بمعنى أن المطالب الفلسطينية تنطلق من أجل نيل وعد بريطاني أو دولي جديد ينص صراحة على إقامة دولتين متجاورتين إحداهما فلسطينية والأخرى يهودية؟! أم أنها محاولة سلطوية لامتصاص الغضب والسخط الفلسطيني على تنازلاتها العديدة والمجحفة بحق فلسطين وشعبها المقاوم منذ بداية الحملات الاستيطانية ومنذ بدايات الاحتلال البريطاني ومن ثم الصهيوني وحتى اليوم؟
لكن وبغض النظر عن الأسباب والدوافع الحقيقية لهذا الطلب، إلا أن النظر والتدقيق في مجمل ممارسات وسياسات السلطة يقودنا دون أي التباس إلى إدراك حجم الانخراط الرسمي الفلسطيني أولاً، والعربي ثانياً في المخططات الدولية سابقة الذكر، والتي نعلم جميعاً حجم تعارضها وتصادمها مع مصالح الشعب العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً، وهو ما يدفعنا للدعوة إلى تبني استراتيجية سياسية وإعلامية وثقافية تعبر عن مصالح وتطلعات الفلسطينيين والعرب عموماً، انطلاقاً من رفض وعد بلفور أولاً، ومن رفض جميع القرارات الدولية المبنية على هذا الوعد وعلى تبعاته الديمغرافية والسياسية والميدانية والقانونية، استناداً للأساس الذي انبثق منه هذا الوعد الباطل، الذي يعكس المصالح الاستعمارية البريطانية والدولية السياسية والاقتصادية والجيوسياسية والديمغرافية الداخلية، والمرتبطة بحل جملة من المشاكل والتبعات الاجتماعية الكارثية للمسألة اليهودية داخل دولهم الوطنية والقومية. وعليه يمكننا القول إن النضال السياسي والإعلامي والثقافي المكمل والداعم لمقاومة الشعب الفلسطيني عموماً، يجب أن ينطلق من دحض الرواية الاستعمارية والصهيونية، ومن ترويج ونشر الحقائق التاريخية والمادية التي تعكس الحقوق الفلسطينية والعربية، فضلاً عن حتمية الاستعداد والإعداد السياسي والقانوني لخوض غمار جميع المعارك القانونية المتاحة، سواء عبر محكمة العدل الدولية في لاهاي أو في أي مكان وموضع قانوني نستطيع استثماره للتعريف وللدفاع عن حقوقنا التاريخية، انطلاقاً من سحب الشرعية الدولية عن أي قرار استند ويستند إلى منطق القوة ومنطق فرض الأمر الواقع بما يعكس بعض المصالح الدولية، ومن أجل العمل لاحقاً على إصدار قرار دولي يعكس الحق والعدالة الإنسانية والتاريخية.
وعليه لا ينبغي لنا السماح بتحويل وعد بلفور المشؤوم والباطل إلى مرتكز ومنطلق لتأسيس واقع الاحتلال وواقع إضاعة والاستغناء عن أي من الحقوق العربية والفلسطينية، فمسيرة المئة عام الماضية من النضال السياسي والعسكري والإعلامي والثقافي يجب أن تستمر ويجب أن نتعلم من أخطاء وهفوات الماضي، من أجل بناء حركة متكاملة ومتعاونة سياسياً وثقافياً وإعلامياً وعسكرياً حتى استعادة جميع الحقوق المستلبة الفردية منها والجماعية.
(كاتب فلسطيني من سورية)
اقــرأ أيضاً
ومن ناحية سياسية فقد عكس وعد بلفور ظاهرياً توجهات وسياسات المملكة البريطانية تجاه المنطقة وفلسطين خصوصاً، بينما عبر ضمنياً عن توجه ورؤى القوى الدولية الكبرى قاطبةً، وهو ما أثبتته الأيام والمواقف اللاحقة من قبيل الموافقة والصياغة الدولية لصك الانتداب البريطاني على فلسطين والذي تضمن التأكيد على مسؤولية الانتداب في إقامة وطن قومي لليهود وفقاً لما وعد به بلفور. كما جسد إقرار وتشريع القوى العظمى لقرار التقسيم 181 المقر في العام 1947 مدى تطابق رسالة بلفور أو وعده المشؤوم مع السياسات العالمية، وكأن بلفور ناطق رسمي باسم جميع القوى العالمية العظمى. وعليه واستناداً إلى مجمل الوثائق والمستندات الدولية سابقة الذكر، يمكننا القول إنها جميعا ساهمت في تكوين وعي شعبي عربي عن منطلقات ومحركات المجتمع الدولي اللانسانية وغير العادلة والإجرامية عموماً، ودون الحاجة للبحث كثيراً في سياسات وممارسات القوى العظمى والبريطانية ضمناً التي عملت وما زالت تعمل حتى اليوم على حماية وفرض وزرع الجسد الصهيوني في فلسطين وفي منطقتنا العربية، الأمر الذي ولد قناعة شعبية عربية باستحالة التعويل على أي تغيير في التوجهات العالمية تجاه منطقتنا العربية عموماً وتجاه القضية الفلسطينية خصوصاً، مما يعني ضرورة العمل على استنهاض الإرادة والفعالية العربية لاسترداد الحقوق المغتصبة.
غير أن مسيرة الاستنهاض والنضال العربية قد اصطدمت أيضاً بجملة من العوائق والمراوغات الرسمية العربية، فقد اعتدنا على المواقف والسياسات الرسمية العربية المتناقضة والمضللة تجاه القضية الفلسطينية، بما فيها مواقف القيادات الفلسطينية ذاتها، والتي تشير بمحصلتها إلى تماهي وانصهار التوجهات الرسمية العربية والفلسطينية في بوتقة السياسات الدولية. ومنها على سبيل المثال مطالبة الحكومة البريطانية بتقديم اعتذار رسمي عن وعد بلفور من قبل رئيس السلطة الفلسطينية، مما قد يوحي للبعض برغبة السلطة الفلسطينية في رفض ومعارضة وربما مقاومة وعد بلفور ومفرزاته السياسية والميدانية، إلا أن الموقف الرسمي والعملي الفلسطيني اليوم لا ينطلق فقط من الاعتراف الكامل بقرار التقسيم، بل يتعداه إلى الإيحاء بأن القيادة الفلسطينية هي المعنية الأولى وربما الأخيرة في تنفيذ هذا القرار الدولي، ليتم الفصل بصورة غريبة بين وعد بلفور وقرار التقسيم، على الرغم من جميع الشواهد والأدلة التي تشير إلى كون وعد بلفور هو الأساس والمرجع الرئيسي لهذا القرار خصوصاً، طبعا ودون أي إنكار لطبيعة وعد بلفور الضبابية بما يخص حدود الوطن القومي اليهودي الذي التزمت بريطانيا في تشييده، وبالتالي دون أي تلميح أو اعتراف أو إقرار بتشييد وطن فلسطيني مجاور أو مقابل في النص الحرفي للرسالة.
لذا ودون الدخول في الكثير من التفاصيل والحيثيات الفلسطينية والعربية المرتبطة بوعد بلفور وبقرار التقسيم لاحقاً، يحق لنا التساؤل عن الدوافع والمكاسب الفلسطينية الحقيقية المبتغاة من دعوة الحكومة البريطانية للاعتذار عن هذا الوعد الباطل، فهل هو ناتج عن تخوف القيادة الفلسطينية من تبعات ضبابية وعد بلفور سابقة الذكر فقط، بمعنى أن المطالب الفلسطينية تنطلق من أجل نيل وعد بريطاني أو دولي جديد ينص صراحة على إقامة دولتين متجاورتين إحداهما فلسطينية والأخرى يهودية؟! أم أنها محاولة سلطوية لامتصاص الغضب والسخط الفلسطيني على تنازلاتها العديدة والمجحفة بحق فلسطين وشعبها المقاوم منذ بداية الحملات الاستيطانية ومنذ بدايات الاحتلال البريطاني ومن ثم الصهيوني وحتى اليوم؟
لكن وبغض النظر عن الأسباب والدوافع الحقيقية لهذا الطلب، إلا أن النظر والتدقيق في مجمل ممارسات وسياسات السلطة يقودنا دون أي التباس إلى إدراك حجم الانخراط الرسمي الفلسطيني أولاً، والعربي ثانياً في المخططات الدولية سابقة الذكر، والتي نعلم جميعاً حجم تعارضها وتصادمها مع مصالح الشعب العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً، وهو ما يدفعنا للدعوة إلى تبني استراتيجية سياسية وإعلامية وثقافية تعبر عن مصالح وتطلعات الفلسطينيين والعرب عموماً، انطلاقاً من رفض وعد بلفور أولاً، ومن رفض جميع القرارات الدولية المبنية على هذا الوعد وعلى تبعاته الديمغرافية والسياسية والميدانية والقانونية، استناداً للأساس الذي انبثق منه هذا الوعد الباطل، الذي يعكس المصالح الاستعمارية البريطانية والدولية السياسية والاقتصادية والجيوسياسية والديمغرافية الداخلية، والمرتبطة بحل جملة من المشاكل والتبعات الاجتماعية الكارثية للمسألة اليهودية داخل دولهم الوطنية والقومية. وعليه يمكننا القول إن النضال السياسي والإعلامي والثقافي المكمل والداعم لمقاومة الشعب الفلسطيني عموماً، يجب أن ينطلق من دحض الرواية الاستعمارية والصهيونية، ومن ترويج ونشر الحقائق التاريخية والمادية التي تعكس الحقوق الفلسطينية والعربية، فضلاً عن حتمية الاستعداد والإعداد السياسي والقانوني لخوض غمار جميع المعارك القانونية المتاحة، سواء عبر محكمة العدل الدولية في لاهاي أو في أي مكان وموضع قانوني نستطيع استثماره للتعريف وللدفاع عن حقوقنا التاريخية، انطلاقاً من سحب الشرعية الدولية عن أي قرار استند ويستند إلى منطق القوة ومنطق فرض الأمر الواقع بما يعكس بعض المصالح الدولية، ومن أجل العمل لاحقاً على إصدار قرار دولي يعكس الحق والعدالة الإنسانية والتاريخية.
وعليه لا ينبغي لنا السماح بتحويل وعد بلفور المشؤوم والباطل إلى مرتكز ومنطلق لتأسيس واقع الاحتلال وواقع إضاعة والاستغناء عن أي من الحقوق العربية والفلسطينية، فمسيرة المئة عام الماضية من النضال السياسي والعسكري والإعلامي والثقافي يجب أن تستمر ويجب أن نتعلم من أخطاء وهفوات الماضي، من أجل بناء حركة متكاملة ومتعاونة سياسياً وثقافياً وإعلامياً وعسكرياً حتى استعادة جميع الحقوق المستلبة الفردية منها والجماعية.
(كاتب فلسطيني من سورية)