هٌجر سكان قرية قيساريا وتم تدميرها يوم 15 فبراير/شباط 1948، واليوم قامت مكانها مدينة قيساريا للأغنياء من الإسرائيليين، وسكنها عدد كبير من قادتهم، مثل الرئيس الأسبق عزرا وايزمان ورئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو.
وتبعد قيسارية الواقعة على شاطئ المتوسط 37 كم عن مدينة حيفا، وسكنها قبل النكبة 1100 نسمة.
وقامت القرية داخل الأسوار التي بناها الفنيقيون 400 عام قبل الميلاد، وبناها هورودوس كميناء عصري، وكان يطلق اسم "بارة قيساريا" على الجزء الخارجي من القرية المبني خارج الأسوار والتي تقوم على أنقاضها مستعمرة أور عكيفا اليوم.
تميزت قيساريا الفلسطينية بأنها بنيت فوق المدينة الأثرية داخل الأسوار، ولم يسمح للفلسطينيين البحث على الأثريات بأوامر من الانتداب البريطاني. وبعد الهجوم عليها من العصابات الصهيونية دمر أغلبها ولم يبق لها أثر تقريباً، وأقامت مكانها إسرائيل الحديقة الوطنية التابعة لسلطة الآثار الإسرائيلية داخل الأسوار بعد أن قاموا بعمليات حفريات تحت الأرض وظهرت المدينة الأثرية.
يقص المرشد حسين إغبارية من جمعية ذاكرات، الرواية الفلسطينية للقرية بالاستعانة برواية الفلسطيني فؤاد عارف الجمل "أبو النعيم"، وهو من مواليد قرية قيساريا عام 1927، ويعيش، اليوم، في مخيم جنين. ويقول "سكن القرية قبل النكبة أغلبية من العرب ومجموعات من الشركس والبشناق (الذين تعود أصولهم إلى البوسنة)".
وكانت قرية سياحية مليئة بالمقاهي. وتصل مساحة القرية 30 كيلو متراً مربعاً. واشتهرت بسوقها التجارية الكبيرة ومينائها التجاري الذي تصل إليه جميع البضائع". ويضيف إغبارية، اعتاشت القرية من الزراعة والصيد، وكان فيها، أيضاً، مسبح خاص للنساء في منطقة "بلومة" على شاطئ البحر.
كثير من "آثار قيساريا الفلسطينية" تحول إلى متاحف ومراكز ترفيه "إسرائيلية". هذا هو، أيضاً، حال عمارة المخبز والحواصل التجارية لبيع الحبوب التي تحولت، اليوم، إلى متحف وجاليري فني.
تحولت سرايا عائلة الفارس التي استشهد أحد أبنائها في مذبحة الطنطورة الشهيرة هي الأخرى إلى متحف فني. وتطالعك بشموخها مأذنة المسجد التي بنيت بفضل تبرعات سيدة تركية اسمها خديجة خانم سنة 1878. وحول الإسرائيليون المسجد (كما في حالة المسجد الأحمر في صفد) إلى خمارة لفترة طويلة، ولكن بعد صراع معهم خاضته جمعية الأقصى "التي تحافظ على المقدسات الفلسطينية" تحول إلى مخزن مطعم. وكان على رأس المئذنة هلال معدني كبير عاصر الحرب العالمية الأولى والثانية، ولكن دمر عام النكبة في نفس يوم سقوط القرية.
ويشير إغبارية إلى أن الحركة الصهيونية أقامت في سنة 1936 كيبوتس "أسدوت يام" بجانب القرية للاستيلاء على أراضي القرية.
وفي يوم 15 فبراير/شباط 1948 تمت مهاجمة القرية من العصابات الصهيونية، وجمعوا أهالي القرية في الدير البيزنطي وبعدها قاموا بتفجير وتدمير ونسف جميع البيوت بالديناميت. وبعد أن أفرج عنهم وجدوا القرية مدمرة فنزحوا الى قرية الطنطورة المحاذية، وقسم منهم إلى قرية جسر الزرقاء، وجزء بقي في قيساريا.
كان أبو نعيم، عام النكبة ابن عشرين عاماً. وقد انضم إلى من نزحوا بعد سقوط القرية إلى القرى المجاورة بداية عن طريق البر إلى قرية جسر الزرقاء وبعدها الى الطنطورة، واستمر به الرحيل ووصل حتى مدينة حيفا. ولم يتوقف هناك بل استمر الى مدينة طولكرم ليستقر به المطاف بعد النكبة في مخيم جنين، فيما تم أسر بعض أفراد عائلته في سجن بيت ليد العسكري خلال معركة الدفاع عن البلدة.
ولفت إغبارية إلى أن المؤرخ الصهيوني، بني موريس، كشف في أبحاثه أن قرية قيساريا هي القرية الأولى التي تم تهجيرها بشكل مخطط ومنظم ورسمي بيد قوات الهاجاناة.
وفي نهاية الجولة أعلنت رنين جريس من جمعية "ذاكرات"، عن إطلاق تطبيق "آي نكبة" على شبكات الأندروإيد، بعد أن كانوا قد أطلقوا التطبيق على شبكات "آبل" قبل عام تقريباً.
وتم بناء التطبيق من إحداثيات أخذت من الخرائط البريطانية وتم وضعها وملاءمتها مع الخرائط الحديثة. وأوضحت جريس أن التطبيق يوثق أكثر من 500 بلدة فلسطينية هجرت في عام النكبة ويعطي معلومات وإرشاد عن كيفية الوصول إليها. وأنه مبني بشكل تفاعلي مع الجمهور ليتيح تعديل المعلومات الخاطئة إذا وجدت، عن قرية وأسماء العائلات في القرى المهجرة على الخرائط".