وجاءت مشاركة رئيس مجلس الوزراء القطري، وزير الداخلية، عبد الله بن ناصر آل ثاني، في القمم الثلاث (الخليجية والعربية والإسلامية)، التي استضافتها مدينة مكة السعودية في 30 و31 مايو/ أيار الماضي، كأرفع زيارة لمسؤول قطري إلى المملكة منذ بدء الحصار، غير أنها لا تحمل أي جديد على مستوى احتمال حل الأزمة الخليجية، بما أن الرباعي التابع للرياض لا نية لديه بمباشرة أي حوار جدّي، ولا يزال متمسكاً بشروطه الثلاثة عشر التي ترفضها قطر وترى فيها انتقاصاً من سيادتها وقرارها المستقلّ.
وفي مقابل انشغال دول الحصار في افتعال الأزمات مع قطر وكيل الاتهامات لها، كانت الأخيرة، تنجح على مدى العامين الماضيين، في الخروج من الأزمة أقوى على الصعد كافة، بعدما استطاعت على نحو سريع بلورة استراتيجية سياسية ودبلوماسية واقتصادية وقانونية وإعلامية لمواجهة الحصار أولاً، ثم تطويق مفاعيله، ما سرّع من قدرتها على تجاوزه.
وفي السياق، يقول الكاتب والإعلامي جابر الحرمي لـ"العربي الجديد"، إنّ مشاركة رئيس مجلس الوزراء القطري "جاءت بعد دعوة خطية تلقاها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للمشاركة في القمم الثلاث، وكبادرة حسن نية، ودعماً لوساطة أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح".
ويرى الحرمي أنّ "مشاركة قطر ودول أخرى مثل الكويت وسلطنة عمان في مثل هذه القمم والاجتماعات، يمكن أن تدفع نحو العقلنة السياسية للخطاب، في ظلّ هذا التوتر والتصعيد القائم بالمنطقة".
لا مؤشرات على نهاية للأزمة
من جهته، يقول مدير "مركز دراسات الخليج" في جامعة قطر سابقاً، عبدالله باعبود، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا توجد أي مؤشرات جدية لإنهاء الأزمة الخليجية قريباً"، لكنه يرى في المقابل أنه "لم يتم الوصول إلى حد القطيعة التامّة، فما زالت قطر تشارك في اجتماعات مجلس التعاون الخليجي، وهناك زيارات متبادلة لفرق رياضية ومشاركة في الاجتماعات، وأعتقد أنّ الأزمة ستراوح مكانها على هذا الحال، إن لم تكن هناك مستجدات تدفع للحلّ".
ويعلّق باعبود على ما يمكن اعتباره توقّف الجهود الكويتية في الدفع لإنهاء الأزمة قائلاً: "لم يجد أمير الكويت أي استجابة لمبادرته في حلّ الأزمة، وربما ارتأى أنّ الوقت غير مناسب حالياً للمضيّ قدماً بها، إلى أن تعود وتسمح الظروف بذلك"، متابعاً: "ينطبق ذلك أيضاً على الموقف العماني المساند لمبادرة الكويت، الذي توصّل أيضاً إلى قناعة مفادها أنّ دول الحصار ليست جاهزة في الوقت الحاضر لحلّ الأزمة، وأنّ الصبر والوقت قد يغيّران مواقفها".
إلى ذلك، يرجع باعبود التأجيل المستمرّ للقمة الخليجية - الأميركية، إلى "عدم نجاح الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي في التوصّل لحلّ للأزمة الحالية، بسبب عناد دول الحصار في قبول مساعي واشنطن التي كانت مواقفها الأولى مساندة لهذه الدول، قبل أن تعود وتغيّر رأيها حول أسباب وجدوى هذا الحصار، وخصوصاً أنه مضرّ للمنطقة ومصلحة أميركا فيها"، مضيفاً: "حاولت واشنطن أيضاً بشتى السبل إقناع دول الحصار بحلّ الأزمة أو أن تجمع كل الأطراف إلى طاولة واحدة، ولكن بدون نجاح لهذا المسعى إلى حدّ الآن".
وبما يتعلّق بموضوع "الناتو العربي"، يرى باعبود أنه "كان شطحة وفكرة أميركية لجمع أطراف متباينة ومتنافرة كوسيلة للتقارب والتعاون بين دول المنطقة، ولكن حتى هذا لم يفد إلى حد الآن، وقد قلّ الحديث عن جدوى هذا التحالف".
وفيما إذا كانت التطورات الإقليمية، وخصوصاً موضوع المواجهة بين أميركا وإيران قد تدفع بدول الحصار للجلوس إلى طاولة الحوار، يقول باعبود: "لا أعتقد أنّ هذا سيدفع بهذه الدول للجلوس إلى طاولة المفاوضات سريعاً، إلا إذا كانت هناك تغييرات كبيرة من جراء هذه المواجهة"، معتبراً أنّ "دول الحصار ما زالت تعتقد ومقتنعة بأنّ الأمور لصالحها، وأنّ ما تسعى إليه من تغيير الوضع القائم وإعادة ترتيب المنطقة، ممكن أن يحصل في عهد (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، وهي ما زالت تعيش في هذا الوهم ولا تتقبل رؤية الحقيقة".
ويضيف باعبود: "تواجه قطر في الوقت نفسه تحديات الحصار، والآن تداعيات الأزمة بين أميركا وإيران، ولكن لا أعتقد أنّ هذا سيغيّر الكثير من خيارات الدوحة وسياساتها التي اتبعتها منذ بداية الأزمة، وهي أنها لن تتنازل عن سيادتها ولن تخضع للإملاءات، لكنها مستعدة للحوار والتفاوض، في الوقت الذي تبني فيه قدراتها وترفع من مستوى كفاءاتها".
ويلفت إلى أنّ "قطر كوّنت العديد من الاستراتيجيات للصمود، وتعدّت الأزمة ونجحت في السياسات التي اعتمدتها، إلى جانب أنها بنت وتبني علاقات متميزة مع العديد من دول العالم"، مضيفاً: "أصبحت سياسة التحصين الداخلي والاعتماد على النفس هي المحرك الرئيسي لسياسة الدوحة، وبدأت هذه السياسات تعطي نتائج إيجابية، وتبقى هي أنجح الخيارات الآن، مع ترك باب الحوار والمفاوضات مفتوحاً لحلّ الأزمة متى أتت الفرصة المناسبة". ويتابع: "لا شكّ بأنّ الأزمة أضرّت وتضرّ بقطر، ولكن الأخيرة تمكّنت من تجاوزها، واستحدثت سياسات اقتصادية واجتماعية مهمة".
من جهته، يثني الكاتب والإعلامي صالح غريب، على رفع مستوى التمثيل القطري في القمم الخليجية والعربية والإسلامية، التي يقول إنّ موضوعها كان إيران لا الأزمة الخليجية. ويوضح غريب في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "السعودية هدفت من وراء القمم الثلاث التي استضافتها، إلى تجيير المواقف العربية والإسلامية إلى صالحها، وخصوصاً في ظلّ التوتر مع إيران، والتطورات الخطيرة الجارية في المنطقة"، دالاً على ذلك بأنّ "الدعوة السعودية للقمتين العربية والخليجية الطارئتين، كانت لبحث ما قالت عنه الرياض، الاعتداءات التي تعرّضت لها منطقة الخليج وتداعياتها. ومن ثم، فإنّ الأزمة الخليجية لم تُبحث ولم تكن في وارد الحلحلة. فالقمم أرادتها السعودية لردع إيران، وما تقوم به من أنشطة في المنطقة".
ولا يرى غريب أي بوادر لفتح حوار بين قطر ودول الحصار، "لتعنّت الأخيرة ورفضها الجلوس إلى طاولة المفاوضات"، مضيفاً: "ما زالت قطر تعوّل على الجهود والمبادرة الكويتية لحلّ الأزمة، رغم رفض دول الحصار لهذه المبادرة".
وبالنسبة للموقف الأميركي من الأزمة، يصفه الغريب بأنه "متذبذب، ويسعى للاستفادة من الأزمة مالياً، بكل الطرق"، مشيراً إلى أنه "لو أرادت أميركا حلّ الأزمة لاستطاعت تحقيق ذلك بمكالمة هاتفية، كما صرّح نائب رئيس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد بن محمد العطية. لذلك، واشنطن لن تمارس ضغطاً حقيقياً لإنهاء الأزمة وهي مستفيدة من استمرارها".