قراءة في القدر

16 ابريل 2017
+ الخط -
تحدث القرآن الكريم كثيراً عن القدر، وعن تأثيره الحتمي في سلوك الإنسان، إذ تمدح بعض الآيات القدرة على تقدير القدر، وقد استحق المدح بلفظ نعم لأن ما قدر الله بقدرته، هو لصالح الكائن الحي وليس ضده.
الخلق يعني الإيجاد من العدم، فكلّ شيء وجد من عدم وجد بقدر، والشيء يعني كل ما وجد من عدم، ومن ثم فهو تعبير عام عن جميع الموجودات، فكلّ ما هو موجود شيء، ومن ثم فالشيء يعبّر عن الإلكترون الذي يدور غير محدّد الوضع، والجين الموجود داخل نواة الخلية الحية ليوّجهها طبقاً لما يحمل من معلومات.
لكن، هل يعني ربط القدر بالخلق أنّ المقصود قدرية الخلق فقط؟ فلنفرض أنّ مخترعاً ما ابتكر طائرة، هل تركّز فكره فقط على صناعة الطائرة، أم امتدّ فكره ليشمل صناعتها وصيانتها وكلّ ما هو متعلّق بها؟
إذن، فالقدر أوسع وأعم مما نتصوّر؛ فهو يشتمل على كلّ ما يتعلق بالكائن الحي، لنكون أمام سؤال: هل يقف القدر عند حد تحديد ما يتعلق بالكائن الحي من عمليات حيوية وخلافها؟
سعادتنا قدر، وشقاؤنا قدر، وكدرنا قدر، حبنا قدر، كراهيتنا قدر، فالقدر هو علم الله تعالى الكاشف لما يكون، علما مسجلا في أم الكتاب، وبالتالي فكل ما كان وما يكون، هو الصورة الحسية في هذا العالم للقدر.
وهكذا نرى أنّ لكل من مسألتي القضاء والقدر حدودها الخاصة بها، فليس كل ما قضاه الله تعالى منهجاً لعباده، سيختاره هؤلاء العباد، وبالتالي سيصبح قدرا. وليس كل ما يكون من قدر يقع في هذا العالم يوافق قضاء الله تعالى المنهجي، بينما نرى أنّ القضاء الكوني (الجبري) هو دائما داخل ساحة القدر، لأنّ تفاعل الإنسان مع القضاء الكوني بعيد عن إرادته واختياره، فما قضاه الله تعالى كونيا سيحدث، وهكذا نرى أنّ القدر يتكوّن من وجهتين: قدر الإرادة المرتبط بالوجود الإلهي المطلق، وبالإراد ة الإلهية، وبالعلم الإلهي المطلق، الذي يحيط إحاطة مطلقة بالغيب المطلق.
وهناك قدر المشيئة المرتبط بالوجود الحادث للمخلوقات، وبالمشيئة الإلهية، وبالعلم الإلهي المشاهد، وبإحاطة الله تعالى لجانبه المادي للغيب، وكل ذلك داخل إطار المدة والمكان والزمان، لذلك فهو يمثل الجانب المادي للقدر.
في تأمل الآية "إنا كلّ شيء خلقناه بقدر"، نكون أمام سؤال: هل يقصد الله أنّ كل شيء خلقناه، خلقناه بقدر؟ أم أنّ كلّ شي مخلوق خلقناه بقدر، وبين الفهمين وجب أن نعرف شيئين، هما: مقام المتلقي ومقام الخطاب، وحتى نفهم الخطاب على أشدّه، يلزم أن نتجرّد من عوارض الرتابة المتعلّقة بقدسية الخطاب، وإلزام المتلقي فهم ما يساير مفهوم القدر كقضاء وحتمية كونية فقط، بدل أن يكون ذلك على حساب توفير مساحة كبيرة للعقل لنقد الخطاب القرآني كخطاب موّجه للجميع، ما يعني أن نخرج من نمطية التفكير المقدّس للخطاب، إلى عملية الشحذ الذهني، التي تجعل المتلقي أقدر على فهم خطاب الشارع عن طريق تعريض الخطاب أيضاً، كنص، لنسبية فهم المتلّقي، بدل القول: هناك حكمة وشاء الله ألا نعلمها.
56D15ACE-1E01-44F5-8CA4-18791FACF03B
56D15ACE-1E01-44F5-8CA4-18791FACF03B
محمد أسامة الأنسي (المغرب)
محمد أسامة الأنسي (المغرب)