قراءة في ألبومه الجديد: عبد الله الرويشد 2019

30 يونيو 2019
تضم كل أغنية على هوية موسيقية مُختلفة (فرانس برس)
+ الخط -
أبو خالد، أو "السفير" كما يحلو للكويتيين وصف مطربهم الأنيس عبد الله الرويشد، هو آخر عنقودٍ من أصوات صافية بهيّة وهبتها الكويت لأهلها وجيرانها في الخليج والعالم العربي.

 عنقودٌ فنيّ أصيل فتيّ، جذوره ضاربة في رمل الصحراء إلى ما قبل النفط والغاز، فالغزو ثم التحرير، ومسلسل القلق اليومي الذي يعيشه الخليج، رغم الخيرات والنعم الإلهية. منذ استقلال الكويت عام 1961 ومع بشائر الثروة الطبيعية، أريدَ للإمارة أن تصير واحة الخليج الثقافية، نابت عن لبنان خلال حربه الأهلية فترة السبعينيات والثمانينيات، لتُزهر فيها ألوان الإنتاج الفني من مرئي وصوتي، مُرتكزةً على فلكلور عريق يعود إلى أهازيج البحّارة وصيّادي اللؤلؤ، أثرت عليها حركة التجارة البحرية لتبث فيها أمزجة هندية وأفريقية ميّزت عديد مقاماتها وضروب إيقاعاتها.

في تلك الواحة عاش الرويشد، على أغاني الفِجيري ونبض المرواس تفتّحت أذناه، وباستلهام نماذج فريدة في الغناء الشعبي كعودة المهنا، وعوض الدوخي، وكواكب الأغنية المصرية. بدأ مسيرته الطربية منذ الثمانينيات وتميّز بكثافة إنتاجه الذي توالى ألبوماً في كل عام، وأحياناً ألبومين. لم يتوقف سوى سنة غزو العراق للكويت، تابع بعدها الرويشد في إصدار ألبومات حتى آخرها هذا العام.

"لا تزعل" فاتحة ألبوم الرويشد الجديد، من كلمات الشاعر ساهر وألحان علي أبا الخيل، لم تسلم من العدوى التركية التي أصبحت بحكم رواج الموضة حتمية تسويقية. يدخل التتريك، أي العزف بالأسلوب التركي، على الأغنية من باب الكيبورد في المقدمة، كما وفي الوتريّات المُصاحبة، التوزيع والهرمنة يُذكّران بالأغنية المصرية الحديثة، أما المُميّز فهو آلة الترومبيت التي تضيف على السماع لون جاز ليلي ميلانكولي.

"بديت إتعب" لحنها الرويشد ووزّعها محمد علي الذي استجاب للكلمات بمقدمة إيقاع مارش يعكس الدرب والتعب. تدخل على الأغنية أجناس موسيقية كثيرة تكاد تُصيب الأذن بالتخمة، كمائدة رمضانية عقب أمسية يوم صيفي طويل، من محلي خليجي إلى ساكسوفون جاز فغيتار هارد روك كهربائي، تعزف الوتريات على مستوى منخفض درامي مميّز، نادراً ما يُلاحظ في الأغاني العربية.

"ماناديلك" باكورة صداقة وشراكة جمعت كلاً من أبو خالد مع الشاعرة فتحية عجلان والمُلحّن خالد الشيخ الذي زوّد الأغنية بجسر لاتينو على إيقاع السلسا، وبكوبليه مبنية على مقام السيغا بلدي، الذي ندر سماعه لما يتطلبه من دربة صوتية لا تتوفر إلا لدى أمثال الرويشد، إضافة إلى دخول جوقة الكورس المصاحب، أو السنّيدة، والتي لطالما مثّلت علامة تجارية للأغاني الخليجية زمن الثمانينيات.

"روحي جربي" كلمات منصور الواوان وألحان عبد الله القعود، أغنية خليجية تقليدية في الظاهر، لكنها تعكس سعة اطلاع الجيل الصاعد من الموزّعين كبراك المطوع، الذي وجد من مزيج الفطرة والخبرة صيغةً يجمع من خلالها نبض المرواس الخليجي مع روح الريغي الكاريبي.

"مسكين" من كلمات وألحان عبد القدوس اليعقوب، وتوزيع عدنان العبد الله، التتريك عودٌ على بدء، بل إن الأغنية بكاملها سُجّلت في تركيا، ومع ذلك أريد للأغنية وجهةً سياحية مختلفة قليلاً عن اللون التركي المعهود في أغاني البوب العربية. فبإضافة لون شبيه بآلة البوزوكي، تكتسب الأغنية معلماً يونانيّاً، أقلّه لغرب تركيا، يتمثّل بمناطق مُطلة على مرمرة وإيجة، إضافة إلى لون غيتار الفلامينكو.

"شي غريب" كلمات علي مساعد وألحان الرويشد وزّعها جورج قلته. الغريب الوحيد فيها يكمن في عودتها إلى سابق عهد الأغنية الخليجية، والرويشدية تحديداً، لجهة جمعها المحلي الخليجي بالمصري العربي، وعزوفها عن الطعوم التركية والنكهات اللاتينية. مقدمة يورو ــ مصرية يتبعها الرويشد بموّال مع العود، كأنها تُقدم من حيث الأداء والأجواء، ذكرى وفاء وإهداء لمحمد عبد الوهاب.

"كرهتك" من كلمان الشاعر أحمد الصالح ثم تعاوَن كل من الرويشد وعبد القادر الهدهود على التلحين. تُبرز الأغنية أولاً نفساً طويلاً ومقدرة لافتة لدى الرويشد من حيث الأداء الذي اقترب به من لون شبيه "بالريذم أند بلوز" (R&B) وإن بخصوصية شعرية خليجية. ثانياً من حيث التوزيع بواسطة التركي إسماعيل تنش بلاك، حيث يُسمع لون الأسيد ــ جاز التركي الذي ذاع أوائل الألفية الحالية.

"قبل الوصول" من كلمات الشاعر عبد اللطيف البناي، وألحان الرويشد، تبدو الأغنية للأذن كأنها هاربة من تسعينيّات القرن المُنصرم، من حيث الأداء والتوزيع بالأسلوب المصري، أو حتى إنتاجياً، لجهة نوعيّة الصوت المائلة نحو الحدة والارتفاع. يُعرف عن أبو خالد إخلاصه لمن رفده وعمل معه، لذا تُسمع هنا جليًّة، أصداءُ وتريّات الملحن المصري عمار الشريعي.

"ما ينسيك" من كلمات منصور الواوان وألحان عبد الله القعود، تدخل عل الألبوم بنكهة التانغو الأرجنتيني، من حيث لون آلة الباندولبون (قريب الأكورديون)، والغالب أن استُعيض عن الآلة الحية بعيّنة إلكترونية يؤديها عازف كيبورد داخل الاستديو، وثانياً من الانتقالات الهارمونية المعهودة في موسيقى التانغو، والتي أدخلها الموزّع في المقدمة، لتُكمل الأغنية خليجيّة المذاهب والكوبليهات.

"عطرك" كلمات الشاعر علي مساعد، وزّعها أحمد صالح. كون الأغنية من ألحان الرويشد، تُسمع فيها عودة للحضن المصري، الشريعي على الأخص، مُجدداً لجهة إسناد الألحان الرشيقة لأطقم الوتريات، التي وفي خصوصية تُميّز الألبوم، لا تكتفي بالمستويات المُرتفعة، وإنما تهبط إلى الواطئة والمُنخفضة، وتُحاكي جُمل المذهب عندما يُغني المطرب، على الطريقة المصرية القديمة.

عبد الله الرويشد 2019 أشبه بجولة سياحية، يُعرّج فيها من خلال كل أغنية، وخصوصاً في المُقدمات، على هوية موسيقية مُختلفة. في حين يظل المتن خليجياً أقلّه في الكوبليه. يبرز أيضاً البذخ الإنتاجي لـ"روتانا"، لجهة القدرة على استقدام كل تلك المشارب الفنية المتنوعة، مما قد يحرم الألبوم، الذي لا تنقصه الوفرة والكثافة، من نعمة الخفة والبساطة التي كانت لأغاني الدوخي وأبو بكر سالم.

المساهمون