مستنداً إلى عكّازَيه يتوجّه قاسم صباح كلّ يوم إلى مدرسته. هو في السابعة عشرة من عمره، لكنّه فقد رجله اليسرى قبل سنوات بعد إصابته بمرض خبيث في طفولته استوجب بترها. حينها كان لا يزال في حماة السورية، قبل أن يلجأ مع عائلته إلى لبنان على خلفية الحرب الدائرة في البلاد.
كثيرون هم الأشخاص الذين يتعرّضون لنكسات في حياتهم فينعزلون وينطوون على أنفسهم، لكنّ ثمّة آخرين يؤمنون بأنّ الحياة يجب أن تستمر بطريقة طبيعية وإن خذلتهم. فالاستسلام مرفوض بالنسبة إلى هؤلاء، وقاسم عمار السيّد واحد منهم. والفتى المراهق يملأه حبّ الحياة على الرغم من المرض الذي أصابه وهو في سنّ صغيرة، سنّ يرغب فيها باللعب مع أصدقائه في الحارات وفي باحات المدرسة. لكنّ ذلك لم يحبطه بل كان دافعاً له للاستمرار في الحياة ومحاولة عيشها بطريقة طبيعية كما سواه من أبناء جيله.
في مدينة صيدا، جنوبيّ لبنان، يعيش قاسم مع عائلته التي استقرّت في منزل اشتراه الوالد من شركة للبناء عن طريق المقايضة. فوالد قاسم يعمل في مجال البناء، تحديداً تلبيس الحجر، منذ أكثر من ثلاثين عاماً في لبنان. يخبر الفتى: "عندما كنت في الصف الرابع الأساسي، وقعت فتضرّرت رجلي، الأمر الذي استدعى معالجتها بالجبس (الجبيرة). وبعد فترة تلقّيت ضربة عليها من أحد الرفاق في المدرسة، فكُسرت للمرة الثانية. اصطحبني أهلي إلى الطبيب الذي طلب هذه المرّة فحص خزعة من رجلي". وبعد صدور النتيجة التي بيّنت إصابة قاسم بالسرطان "أمر الطبيب ببتر رجلي على الفور. فدخلت المستشفى وخضعت لعملية جراحية. بعدها، تابعت علاجاً كيميائياً في أحد مستشفيات دمشق، وكان عمي يرافقني". لم تنته معاناة قاسم مع المرض هنا، إذ تبيّن أنّ المرض منتشر في صدره، فخضع للعلاج، وشفي نهائياً.
يشير قاسم إلى أنّه فكّر في مرّات كثيرة "لو أنّني أستطيع تركيب طرف صناعي. وحاولت بالفعل، لكنّ الأمر لم ينجح. كلّما حاولت كنت أشعر بورم، فنصحني الأطباء بتركيب الطرف بعد بلوغي الثامنة عشرة".
لا يخفي قاسم أنّه شعر بالحزن عندما بترت رجله: "وكنت كلما جلست أراقب رفاقي وهم يلعبون أحسّ بألم كبير. فهم كانوا يلعبون بالكرة وغيرها، في حين أنّني لا أستطيع ذلك. لكنّني في النهاية خضعت للأمر الواقع، وقرّرت المضي في حياتي كما هي". ورفض الفتى الاستسلام، يدفعه إلى ذلك حبّه للحياة، "وأنا اليوم أسبح وأمارس حياتي بطريقة طبيعية".
ويكمل الفتى: "كنت في الصف الخامس الأساسي، عندما بدأت الأمور تتدهور في سورية. وبحكم عمل أبي في لبنان، تركنا بيتنا الذي لم يتضرر من جرّاء الأحداث وانتقلنا للعيش هنا". لكنّه عانى من بعض صعوبات في الدراسة في لبنان، "وبسبب ضعفي باللغة الإنكليزية قررت ترك المدرسة والالتحاق بأحد المعاهد لتعلّم المحاسبة والمعلوماتية. وأنا أرغب في متابعة دراستي في هذا المجال، لأنّه يناسب وضعي الصحي. فعمل المحاسب يتطلّب الجلوس طوال الوقت، وهذا يلائمني. أمّا حلمي فأن أفتح لنفسي مكتب محاسبة".
وقاسم ليس وحيد والدَيه، بل لديه إخوة يصغرونه سناً وأخت كبيرة متزوّجة ومقيمة في حماة. ومذ استقرّ في صيدا، يزور بلدته في عطلة الصيف من كلّ عام. ويقول إنّ "الأمن استتب في حماة، والأمور تسير على خير ما يرام. ومنزلنا ما زال صالحاً للسكن". لكنّه يلفت إلى أنّ "الأوضاع في سورية اليوم لا تسمح لنا بالاستقرار نهائياً هناك، مع أنّني أرغب بشدّة بأن تنتهي الحرب وأعود للعيش في بلدي".
ويصرّ قاسم على عدم الاستسلام، ويؤكد أنّه سوف يسعى إلى العمل بعد إنهاء دراسته كأيّ شخص آخر لا يعاني من إعاقة. فهو رفض الخضوع للمرض في السابق، واليوم يرفض الخضوع لإعاقته، ويقول: "لن أدع شيئاً ينال منّي". إلى ذلك، لا يهمل الفتى وضعه الصحي، ويخضع دورياً لفحوصات مختلفة للاطمئنان إلى أنّ المرض لم يعاوده ويصيب عضواً آخر من أعضاء جسده، "وأنا اليوم بخير، في حالة صحية جيدة".
اقــرأ أيضاً
كثيرون هم الأشخاص الذين يتعرّضون لنكسات في حياتهم فينعزلون وينطوون على أنفسهم، لكنّ ثمّة آخرين يؤمنون بأنّ الحياة يجب أن تستمر بطريقة طبيعية وإن خذلتهم. فالاستسلام مرفوض بالنسبة إلى هؤلاء، وقاسم عمار السيّد واحد منهم. والفتى المراهق يملأه حبّ الحياة على الرغم من المرض الذي أصابه وهو في سنّ صغيرة، سنّ يرغب فيها باللعب مع أصدقائه في الحارات وفي باحات المدرسة. لكنّ ذلك لم يحبطه بل كان دافعاً له للاستمرار في الحياة ومحاولة عيشها بطريقة طبيعية كما سواه من أبناء جيله.
في مدينة صيدا، جنوبيّ لبنان، يعيش قاسم مع عائلته التي استقرّت في منزل اشتراه الوالد من شركة للبناء عن طريق المقايضة. فوالد قاسم يعمل في مجال البناء، تحديداً تلبيس الحجر، منذ أكثر من ثلاثين عاماً في لبنان. يخبر الفتى: "عندما كنت في الصف الرابع الأساسي، وقعت فتضرّرت رجلي، الأمر الذي استدعى معالجتها بالجبس (الجبيرة). وبعد فترة تلقّيت ضربة عليها من أحد الرفاق في المدرسة، فكُسرت للمرة الثانية. اصطحبني أهلي إلى الطبيب الذي طلب هذه المرّة فحص خزعة من رجلي". وبعد صدور النتيجة التي بيّنت إصابة قاسم بالسرطان "أمر الطبيب ببتر رجلي على الفور. فدخلت المستشفى وخضعت لعملية جراحية. بعدها، تابعت علاجاً كيميائياً في أحد مستشفيات دمشق، وكان عمي يرافقني". لم تنته معاناة قاسم مع المرض هنا، إذ تبيّن أنّ المرض منتشر في صدره، فخضع للعلاج، وشفي نهائياً.
يشير قاسم إلى أنّه فكّر في مرّات كثيرة "لو أنّني أستطيع تركيب طرف صناعي. وحاولت بالفعل، لكنّ الأمر لم ينجح. كلّما حاولت كنت أشعر بورم، فنصحني الأطباء بتركيب الطرف بعد بلوغي الثامنة عشرة".
لا يخفي قاسم أنّه شعر بالحزن عندما بترت رجله: "وكنت كلما جلست أراقب رفاقي وهم يلعبون أحسّ بألم كبير. فهم كانوا يلعبون بالكرة وغيرها، في حين أنّني لا أستطيع ذلك. لكنّني في النهاية خضعت للأمر الواقع، وقرّرت المضي في حياتي كما هي". ورفض الفتى الاستسلام، يدفعه إلى ذلك حبّه للحياة، "وأنا اليوم أسبح وأمارس حياتي بطريقة طبيعية".
ويكمل الفتى: "كنت في الصف الخامس الأساسي، عندما بدأت الأمور تتدهور في سورية. وبحكم عمل أبي في لبنان، تركنا بيتنا الذي لم يتضرر من جرّاء الأحداث وانتقلنا للعيش هنا". لكنّه عانى من بعض صعوبات في الدراسة في لبنان، "وبسبب ضعفي باللغة الإنكليزية قررت ترك المدرسة والالتحاق بأحد المعاهد لتعلّم المحاسبة والمعلوماتية. وأنا أرغب في متابعة دراستي في هذا المجال، لأنّه يناسب وضعي الصحي. فعمل المحاسب يتطلّب الجلوس طوال الوقت، وهذا يلائمني. أمّا حلمي فأن أفتح لنفسي مكتب محاسبة".
وقاسم ليس وحيد والدَيه، بل لديه إخوة يصغرونه سناً وأخت كبيرة متزوّجة ومقيمة في حماة. ومذ استقرّ في صيدا، يزور بلدته في عطلة الصيف من كلّ عام. ويقول إنّ "الأمن استتب في حماة، والأمور تسير على خير ما يرام. ومنزلنا ما زال صالحاً للسكن". لكنّه يلفت إلى أنّ "الأوضاع في سورية اليوم لا تسمح لنا بالاستقرار نهائياً هناك، مع أنّني أرغب بشدّة بأن تنتهي الحرب وأعود للعيش في بلدي".
ويصرّ قاسم على عدم الاستسلام، ويؤكد أنّه سوف يسعى إلى العمل بعد إنهاء دراسته كأيّ شخص آخر لا يعاني من إعاقة. فهو رفض الخضوع للمرض في السابق، واليوم يرفض الخضوع لإعاقته، ويقول: "لن أدع شيئاً ينال منّي". إلى ذلك، لا يهمل الفتى وضعه الصحي، ويخضع دورياً لفحوصات مختلفة للاطمئنان إلى أنّ المرض لم يعاوده ويصيب عضواً آخر من أعضاء جسده، "وأنا اليوم بخير، في حالة صحية جيدة".