فوبيا 25 يناير

18 يناير 2016
+ الخط -
يبدو أن لدى مؤسسات الدولة المصرية قلقاً واضحاً، وخشية حقيقية من الذكرى الخامسة لثورة يناير. حيث يتبارى إعلاميو السلطة في التحذير من ذلك اليوم، واتهام كل من تسوّل له نفسه النزول في 25 يناير بالخيانة والعمالة والتآمر على مصر. ليست هذه الموجة سوى نسخة محدثة ومكثفة من تلك التحذيرات والاتهامات التي سبقت 25 يناير/كانون الثاني 2011. الفارق، هذه المرة، أن معظم وسائل الإعلام الخاصة ركبت، هي الأخرى، موجة التشكيك والتخويف، وتكاد تتفوق فيها على الإعلام الحكومي. على الرغم من أن الميديا التي تهاجم يناير لم تكن لتوجد، لولا هذه الثورة والتسامح السلبي مع القائمين على تلك الصحف والقنوات، ومن وراءهم.
قبل عامين، كان المصريون منشغلين بمتابعة الحرب ضد "الإخوان المسلمين". وصدّق بعضهم أن مشكلة مصر الحقيقية هي فقط مع الإرهاب. ولم يكن الوضع العام قد وصل إلى الدرك الأسفل الذي يقبع فيه حالياً. لذا، في يناير 2014 لم تكن ذكرى الثورة مصدر خشية أو قلق. الجديد، أنه في هذين العامين، صار مستحيلاً إخفاء أو تجميل حلقات متصلة من التدهور الحاد في مختلف المجالات، فقد تجمدت حركة الاقتصاد، ونضبت من شرايينه السيولة بعد ضخ 64 مليار في تفريعة جديدة لقناة السويس، وانكماش عائدات السياحة، في مقابل ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية والسلع الاستراتيجية (خصوصاً الطاقة والكهرباء والمياه). وتراجع منطق التفويض المطلق مصدراً للمشروعية، لصالح معيار الإنجاز الشكلي حفاظاً على الشعبية. وتقلصت حرية التعبير إلى حد صار معه تصوير الخبر أو نقله (وليس قول الرأي) جريمة، ارتكبها محمود شوكان وحسام بهجت وإسماعيل الاسكندراني ومحمد حاذق وغيرهم عشرات من الصحافيين، مصورين وكتاباً. في حين انطلق رجال عهد حسني مبارك يمشون في الأرض مرحاً، فرحين بما أتاهم، فحُق لهم ولحوارييهم لعن ثورة يناير، وسب شباب يناير، وإخراج ألسنتهم للمصريين، بالسلاسة نفسها التي استعادوا بها أموالهم وأعمالهم، وبالسهولة نفسها التي استردوا بها مواقعهم ومصالحهم. أما الشرطة فلم تكتف بالعودة إلى ممارساتها في عهد مبارك، بل صارت تتلذّذ بالانتقام من سنوات يناير العجاف، في شخوص مؤيدي تلك الثورة "المؤامرة".
في أجواء كهذه، يصير القلق من 25 يناير مبرَّراً، والارتعاب منها منطقياً، خصوصاً أن لدى الطرف الوحيد الذي لم تحسب له السلطة حساباً في 2011، وهو الشعب، هذا العام ما يدفعه إلى الإحباط والاستياء، إن لم يكن الغضب والانتفاض. وتدرك السلطة في مصر جيداً أنها لم تقدم ما يُجنبها تكرار غضبة يناير، سوى العمل على إزهاق روحها وتقييد حرية شبابها. أما عن مطالب الثورة، فلم يتحقق منها شيء. السلطة صريحة في ذلك مع نفسها، وتخشى تكرار المفاجأة، ولذلك تبالغ في اﻹجراءات اﻻحترازية، لكن هذا ﻻ يعني أن المصريين سينزلون فعلاً، فالمواطن البسيط الملاحَق بمتطلبات الحياة والمكتوي بنار الأسعار لا تشغله حقوق الإنسان أو حرية التعبير، وهو ليس طرفاً فيما يجري تحت قبة برلمانٍ لم يشارك في انتخابه. المصريون بحاجة دائماً إلى من يجرُّهم جرّاً أياً كان الاتجاه. وقد تقلص عدد المجموعات الشبابية التي قادت يناير إلكترونياً ثم ميدانياً، وتقلص تأثيرها. والقواعد الشبابية التي وفرت أرضية لتلك المجموعات القيادية وظهيراً لها، إما انقسمت على نفسها أو تم تفتيتها باﻻعتقالات والتضييقات اﻷمنية والحصار اﻹعلامي والمجتمعي. يجب عدم الانجرار وراء فوبيا يناير، والتعامل مع الذكرى الخامسة للثورة المصرية بحكمة وواقعية. فقد يعكس 25 يناير تراكم الغضب لدى قطاعات محددة، وأن الحس الثوري لم ينته، لكن التغيير لا يتم بموعد مسبق، والثورات لا تنتظر مناسبات.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.