فضيلة الشيخ أدرعي!

25 يونيو 2015
+ الخط -
لم يكد يهل هلال رمضان حتى سارع أفيخاي أدرعي وصحبه إلى تقديم التهاني بقدوم الشهر الفضيل إلينا، نحن العرب والمسلمين، في مقطع فيديو نافس المسلسلات العربية في انتشاره بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي العرب، تندراً على هذا الصهيوني الذي يهنئ العرب والمسلمين، بلغتهم وتعبيراتهم! 

في مقطع نشره على صفحاته الإلكترونية بعنوان "رمضان 2015 في جيش الدفاع الاسرائيلي"، يظهر هذا الناطق باسم جيش الاحتلال، برفقة زملاء له من جنود الاحتلال متحلقين حول مائدة رمضانية، ويظهرون لنا على الشاشة بلقطات مقربة، واحدا تلو الآخر، وهم يقدمون التهاني للعالمين العربي والإسلامي، بمناسبة الشهر الفضيل، في صورة إسلامية منمقة، على الرغم من أننا لا نعرف إن كان هؤلاء الجنود الذين عرّفهم أفيخاي بأنهم من "كتيبة الدبابات الصحراوية" مسلمين فعلاً، أم يمثلون الدور بحرفيةٍ ينافسون بها نجوم مسلسلات شهر رمضان. ما نعرفه أنهم أجادوا أدوارهم بإتقان، واستطاعوا أن يظهروا أمام العالم، في مقطع مدته دقيقتان تقريباً، بمظهر حراس السلام وملائكة الطمأنينة في الشرق الأوسط. 

أما أفيخاي أدرعي نفسه، فقد زاد العيار قليلاً، وتجاوز أدوار نجوم مسلسلات رمضان، لتقمص دور بعض مشايخ الوعظ والإرشاد الديني الذين اعتدنا رؤيتهم على الشاشات قبيل الإفطار، فقد ختم المقطع، المصور بتقنية لافتة وموسيقية تصويرية مناسبة لأجوائه، بخطبة دينية بيّن فيها حرصه الشديد على مستقبل العالم الإسلامي، وخشيته عليه من خطر المتطرفين الذين غرق بوحوله العالم العربي، على حد قوله. وحرص أدرعي على أن يتحدث كما المشايخ والدعاة، وبالحركات ونبرات الصوت نفسها، قدر استطاعته، مستخدما أحاديث نبوية وأدعية مأثورة عن شهر الرحمة والمغفرة والعتق من نار، وفق تعبيره. 

وتهدّج صوت "الشيخ" أدرعي، وهو يضرع إلى العلي القدير بأن يحفظ كل سكان المنطقة من خطر هؤلاء الذين يعبثون بأرواح الناس، مستخدمين الإسلام وآياته (!). وعلى الرغم من أن معظم العرب تلقفوا المقطع بتندر، كما تندروا، قبل ذلك، على وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وهو يتحدث، جالساً على الأرض، في أحد مساجد جيبوتي، عن فهمه للإسلام المعتدل ومواجهة التطرف، وفقا لمنظوره، وكانت تعليقاتهم عليه أشبه بتعليقاتهم على مقاطع الكاميرا الخفية، وهناك من صدقوه وتعاملوا معه بجدية، بل وشكر أفيخاي أدرعي عليه.

ليست الخطورة من تلك الفئة الساذجة التي صدقت هذا المقطع، وبدأت تفكر فيه، بل بالذين لم يصدقوه، لكنهم نشطوا في تداوله، باعتباره مما يجلب الضحك والفكاهة، غافلين عن أنهم بهذا إنما تحولوا إلى أدوات ووسائل بيد أدرعي وعصابته، فقد ساعدوه في إيصال تلك الرسالة، وغيرها من رسائل تهدف إلى التطبيع بين الصهاينة من جهة والعرب والمسلمين من جهة أخرى، بتلك الوسائل غير التقليدية، بعد أن فشلت طرقهم المباشرة طوال عقود في التطبيع. 

معلومات كثيرة رشحت عن صفحات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، وحساباته على الإنترنت تشير إلى أن طواقم أمنية دربها جهاز الشاباك تدير تلك الصفحات والحسابات، بغرض التطبيع مع العرب في الواقع، بالاستفادة من الواقع الافتراضي. ومع هذا، ما زال كثيرون يتعاملون مع أدرعي باعتباره شخصية كوميدية ساذجة، تتحمل شتائم مستخدمي الإنترنت، وتعليقاته الساخنة، وسخريتهم القاسية منه، مجاناً ولوجه الله تعالى. ولا أدري لماذا لا يتساءل مدمنو حسابات أدرعي وغيره من الصهاينة عن السبب الذي يجعل هؤلاء يعملون، ليل نهار وبطرق مختلفة، للتواصل مع العرب والمسلمين، إن لم يكن لمصلحة إسرائيل ومشروعها الصهيوني التوسعي؟
الفئة الثالثة من متلقفي مواد أدرعي هم ممن تعاملوا مع المقطع بجدية، وبعضهم شكر أدرعي عليه، وبادله التبريكات، كما يتبادلها مع الأشقاء وأبناء العم، فهولاء متصهينون حقيقيون، وإن اختبأوا وراء لافتات وشعارات مرحلية أخرى، ولا حديث لهم أو معهم!
.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.