يمزج الكتاب بين عوالم وأزمنة مختلفة، بداية من أبيقور وسقراط مروراً ببوذا وكونفشيوس، ووصولاً إلى مونتين وسبنيوزا، وفي 21 فصلاً قصيراً، تتنوع عناوينها لتعبّر عن أوجه النظر إلى السعادة، وعلاقتها بالمال أو المتعة، والفرق بينها وبين اللذّة.
يؤكّد لونوار أن التفكير الفلسفي في السعادة ليس أمراً بلا طائل، بالرغم من أن السعادة ذاتية ونسبية، لكنها أيضاً تنتمي إلى الحياة وقوانينها التي يُمكن القبض عليها بالتأمّل الفلسفي الكلاسيكي، مثلما بالمقاربات العلمية: كعلم النفس وعلم الاجتماع والبيولوجيا، ويرى أن للقدرة على الاختيار دورا كبيرا في سعادة الإنسان، ليس فقط اختيار اللذّات المناسبة، وإنما أيضاً السبيل والطريقة في الحياة والحب واختيار الأصدقاء والهوايات، والقيم التي على أساسها نشيّد حياتنا، ونُضفي عليها المعنى الذي نختاره.
يتخيّل صاحب "شفاء العالم" و"مرض الأرض" حوارات ولقاءات فكرية بين: فيثاغورس وبوذا وكونفشيوس، ويُرجّح أن كلّاً منهم عاصر حياة الآخر، لكن الحواجز الجغرافية واللغوية جعلت لقاءهم أمراً مستبعداً، ويعتقد أن الأجيال الجديدة التي استطاعت أن تقرأ كل منهم على حدة وبشكل منفرد، يجب عليها أن تعمل على مقاربة آرائهم ووصل نصوصهم ببعضها، للوصول إلى صيغ فلسفية مشتركة للسعادة.
يعتقد لونوار أن من بين الأسباب التي تصعّب دراسة فلسفة السعادة، وتجعل بعض الأكاديميين والمثقّفين يتردّدون في الحديث عنها، هو صعوبة تناول هذه المسألة من دون اللجوء إلى البوح الشخصي؛ إذ لا يُمكن لنا أن نتجادل إلى ما لا نهاية حول علم الكلام، والهرمنيوطيقا، ونظرية المعرفة، والإبستمولوجيا، أو النظم السياسية من دون أن ننخرط في تلك المواضيع بشكل حميمي. لكن الأمر يصبح مختلفاً عندما يتعلّق بالحديث عن السعادة، لأن الأمر سيلامس عواطفنا ومشاعرنا ورغباتنا ومعتقداتنا، التي ربما لا نرغب في وضعها على محكّ الدراسات والمحاضرات.
في خاتمة الكتاب يقول لونوار إن السعادة كالتعاسة تقيم فينا في نهاية المطاف. ورداً على النزعة التشاؤمية لكانط وشوبنهاور وفرويد الذين يؤكّدون أن السعادة المكتملة والدائمة مستحيلة بسبب الرغبات التي لا حدّ لها للنفس البشرية، يؤكّد حكماء الشرق والغرب بأن السعادة ممكنة، شرط ألا يسعى الشخص إلى تفصيل العالم على مقاس رغباته.