رحيل فرانكو زيفريللي: ما يبقى من الأوبرا

15 يونيو 2019
(1923 - 2019)
+ الخط -

إذا أردنا اختزال الفنون الإيطالية الحديثة، لا يمكننا أن نُسقط أعمال الأوبرا، خصوصاً تلك التي ظهرت في أواسط القرن التاسع عشر ضمن سياقات توحيد إيطاليا. وكذلك سيكون من العسير ألا نُبقي على أعمال سينمائية وليدة "سيني شيتا" والتي كانت لعقود من أهم روافد الصناعة السينمائية في العالم قبل أن تسحقها عجلة الرأسمالية منذ سبعينيات القرن الماضي.

وإذا كانت الأوبرا والسينما تحتلّان هذه المواقع في خارطة الثقافة الإيطالية، فإنهما يتقاطعان بشكل لافت في تجربة المخرج الإيطالي فرانكو زيفريللي الذي رحل عن عالمنا اليوم عن 96 عاماً تاركاً أكثر من عشرين عملاً.

بدأت مسيرة ابن مدينة فلورنسا تحت جناح أحد عمالقة "شيني شيتا"، لوتشينو فيسكونتي، ومنه تعلّم كيف يوظّف تقنيات المسرح في السينما، غير أن الشاب الإيطالي سيذهب أبعد؛ حيث جعل من الموسيقى محور أعماله السينمائية، مستفيداً من اشتغاله هو بنفسه في تنفيذ أعمال أوبرالية في سنوات الخمسينيات، حتى أنه يمكن القول بأنه قد جعل من السينما أداة لإعادة كتابة الموسيقى في مشاهد مبتكرة.

ولعلّ أبرز ما قدّمه زيفريللي في هذا السياق إخراج روائع جيوسيبّي فيردي التي تعتبر أرقى ما وصل له فن الأوبرا، حيث حوّلها إلى أعمال تُعرض على الشاشة الكبيرة، وهي تجربة جريئة في نقل الأوبرا من المسرح إلى السينما نجد أهم تجسيد لها في فيلم "ترافياتا" (1983) والذي اعتبره النقّاد مغامرة على خلفية أن أعمال فيردي قد تحوّلت لدى الجمهور الإيطالي إلى مرجعيات تاريخية يصعب تذويبها في مفردات الحاضر.

استمر هذا التوجّه مع أوبرا "عطيل"، في فيلم صدر سنة 1986، وفي هذا العمل كان زيفريللي يجمع بين مُلهمين: فيردي كما في "ترافياتا" وشكسبير كما في أحد أفلامه الأولى؛ "روميو وجولييت" الذي أخرجه سنة 1964، وهو عمل قيل بأنه لحظة الاعتراف الجماهيري بزيفريللي، إضافة إلى كونه العمل الذي بدا فيه وقد قطع مع "أبوية" فيسكونتي، لكن الأهم من كل ذلك أنه نقل مسرحية شكسبير إلى جمهور جديد، أوسع ومتطلّع لمتابعة قصة العشق المأساوية في صيغة معاصرة.

في 1990، عاد زيفريللي مجدداً إلى شكسبير في فيلم "هاملت"، كما استلهم الأدب الإنكليزي من خلال صياغته لرواية "جين إير" لـ شارلوت برونتي في فيلم ظهر سنة 1996. فإذا قيل بأن زيفريللي قد استفاد في أفلامه الأوبرالية من اشتغاله لسنوات في البناء المشهدي للأوبرا، فإنه بهذين العملين أثبت أن مرجعياته أوسع، حيث يظهر هنا زيفريللي القارئ.

مع نهاية التسعينيات، بدأ المخرج الإيطالي ينسحب شيئاً فشيئاً من الساحة الفنية، حتى أعماله الأخيرة كانت توحي بذلك، مثل "شاي مع موسوليني" (1999) و"كالاس دائماً" (2002)، حيث يظهر البُعد الاسترجاعي والاعتماد على السيرة الذاتية.

ساهمت سنوات الانسحاب الطويلة، خصوصاً مع توسّع مشاهدة السينما من القاعات إلى محامل أخرى مثل الأقراص والقنوات التلفزيونية المتخصصة، وصولاً إلى الفيدوهات على الإنترنت، في شعور الجمهور بأهمية سينما فرانكو زيفريللي، ليس فقط في إيطاليا؛ فمنجزه استند إلى أعمال لم يكن معيار اختيارها قائماً على نزعة محلية، بل كان انطلاقاً من شعور المخرج الإيطالي بأنها عميقة وحيّة ومن الضروري تذويبها في محامل جديدة.

دلالات
المساهمون